جاء في تفسير « محاسن التأويل » ما نصه :« إن الخالق تبارك وتعالى ربّى الأمة العربية، في ثلاث وعشرين سنة تربيةً تدريجية، لا تتم لغيرها - بواسطة الفواعل الاجتماعية - إلاّ في قرون عديدة.. لذلك كانت عليها الأحكام على حسب قابليتها، ومتى ارتقت قابليتها بدّل الله لها ذلك الحكم بغيره، وهذه سنة الخالق في الأفراد، والأمم، على حد سواء.
فإنك لو نظرتَ : في الكائنات الحية، لرأيت أن النسخ ناموسٌ طبيعي محسوس، في الأمور المادية والأدبية معاً، فإن انتقال الخلية الإنسانية إلى جنين، ثم إلى طفل، فيافع، فشاب، فكهل، فشيخ، وما يتبع كل دورٍ من هذه الأدوار يريك بأجلى دليل، أن التبدل في الكائنات ناموس طبيعي محقق.
وإذا كان هذا النسخ : ليس بمستنكر في الكائنات، فكيف يُستنكر نسخُ حكم وإبداله بحكم آخر في الأمة، وهي في حالة نمو وتدرّج من أدنى إلى أرقى؟
هل يرى إنسان له مُسْكةٌ من عقل، أنّ من الحكمة تكليف العرب - وهم في مبدأ أمرهم - بما يلزم أن يتصفوا به وهم في نهاية الرقي الإنساني، وغاية الكمال البشري؟!
وإذا كان هذا لا يقول به عاقل في الوجود، فكيف يجوز على الله - وهو أحكم الحاكمين - بأن يكلّف الأمة وهي في دور ( طفوليتها ) بما لا تتحمله إلا في دور ( شبوبيتها ) وكهولتها.. ؟
وأيّ الأمرين أفضل : أشرعُنا الذي سنّ الله لنا حدوده بنفسه، ونسخ منه ما أراد بعلمه، وأتمّه بحيث لا يستطيع الإنسُ والجن أن يُنقصوا حرفاً منه، لانطباقه على كل زمان ومكان، وعدم مجافاته لآية حالةٍ من حالات الإنسان؟ أم شرائع دينية أخرى، حرّفها كهّانها، ونسخ الوجود أحكامها - بحيث يستحيل العمل بها - لمنافاتها لمقتضيات الحياة البشرية من كل وجه.. ؟! »


الصفحة التالية
Icon