٢- وروى القرطبي في تفسيره أن النبي ﷺ كان إذا حضرته جنازة سأل هل على صاحبها دين؟ فإن قالوا : لا، صلى عليها، وإن قالوا نعم قال : صلوا على صاحبكم، قال : فلما فتح الله عليه الفتوح قال ﷺ :« ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة اقرءوا إن شئتم ﴿ النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ فأيما مؤمن ترك مالاً ضويق العصبة فيه، وإن ترك ديناً، أو ضياعاً ( عيالاً ضياعاً ) فلياتني فأنا مولاه ».
قال ابن العربي : فانقلبت الآن الحالُ بسبب الذنوب. فإن تركوا مالاً ضويق العصبة فيه، وإن تركوا ضياعاً أُسْلِموا إليه.. فهذا تفسير الولاية المذكورة في هذه الآية بتفسير النبي ﷺ وتبيينه، ولا عطر بعد عروس.
ملاحظة : الأول هو السبب والثاني أي ما رواه البخاري هو تفسير لمعنى الولاية فتنبّه.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : لم يذكر في الآية الكريمة ما تكون في الأولوية بل أطلقت إطلاقاً ليفيد ذلك أولويته ﷺ في جميع الأمور، ثم إنه ما دام أولى من النفس فهو أولى من جميع الناس بالطريق الأولى.
اللطيفة الثانية : ذكر الله تعالى أن أزواج النبي هنّ ( أمهات المؤمنين ) فيكون النبي ﷺ على هذا هو الأب للمؤمنين وقد جاء في مصحف أبيّ بن كعب ( وهو أب لهم ) وقد سمع عمر هذه القراءة فأنكرها وقال : حكّها يا غلام ( أي أمحها ) فقال ابن عباس إنها في مصحف أبيّ، فذهب إليه عمر فسأله فقال له أبيّ : إنه كان يلهيني القرآن، ويلهيك الصفق بالأسواق.
وأمّا قوله تعالى :﴿ وأزواجه أمهاتهم ﴾ ففيه تشبيه يسمى ( التشبيه البليغ ) فقد حذف منه وجه الشبه وأداة الشبه وأصل الكلام : أزواجه مثل أمهاتهم في وجوب الاحترام والتعظيم وحرمة النكاح، وهذا كما تقول : محمد بحر أي أنه كالبحر في الجود والعطاء.
اللطيفة الثالثة : في قوله تعالى :﴿ بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ ﴾ مجاز بالحذف تقدير الكلام : أولى بميراث بعضٍ أو بنفع بعض كما قال الألوسي، وإنما يفهم تخصيص الأولوية هنا بالميراث من سياق الكلام إذ المسلمون جميعاً بعضهم أولى ببعض في التناصر والتراحم، يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم كما ورد في الحديث الشريف؛ فلا تكون الأولوية بين أولى الأرحام إلا بالإرث إذ لا وجه لتخصيصهم بالنصرة أو الجماعة أو التعاون فإن ذلك واجب لجميع المسلمين.
تنبيه :
جمهور المفسرين على أن ( مِنْ ) في قوله تعالى :﴿ مِنَ المؤمنين والمهاجرين ﴾ هي ( ابتدائية ) وليست ( بيانية ) وأنّ المفضل عليه هم ( المؤمنون والمهاجرون ) والمفضّل هم ﴿ وَأُوْلُو الأرحام ﴾ كما تقول : زيد أفضل من عمرو، فالمفضّل زيد والمفضّل عليه هو عمرو، ويكون المعنى كما أسلفنا ( أولو الأرحام أولى بالإرث من المؤمنين والمهاجرين ).