. أي فعليّ قضاء دينه ورعاية أولاده، والإمام خليفة عن رسول الله يجب عليه قضاء ديون الفقراء من المسلمين. ولا شك أنّ هذا استنباط دقيق فعلى الدولة أن ترعى أمور الفقراء وتكفل مصالح الناس، وترعى شؤونهم وذريتهم.
الحكم الثاني : هل زوجات الرسول أمهات للمؤمنين والمؤمنات؟
قال ( ابن العربي ) : اختلف الناس هل هنّ أمهات الرجال والنساء؟ أم هنّ أمهات الرجال؟ خاصة على قولين :
أ- فقيل إنه عام في الرجال والنساء.
ب- وقيل إنه خاص بالرجال فقط.
قال ابن العربي : وهو الصحيح، لأن المقصود بذلك إنزالهن منزلة أمهاتهم في الحرمة، والحلُّ غير متوقع بين النساء فلا يحجبن بينهن بحرمة، وقد روي أن امرأةً قالت لعائشة : يا أماه، فقالت لها : لستُ لك بأم إنما أنا أمّ رجالكم.
قال القرطبي : قلتُ لا فائدة في اختصاص الحصر في الإباحة للرجال دون النساء، والذي يظهر لي أنهن أمهات الرجال والنساء، تعظيماً لحقهن على الرجال والنساء، يدل على صدر الآية ﴿ النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ وهذا يشمل الرجال والنساء ضرورة، ويدل عليه قراءة أبيّ ( وهو أب لهم ) أقول : لعلّ الأرجح ما ذهب إليه القرطبي والله أعلم.
الحكم الثالث : هل تثبت الحرمة لجميع زوجات الرسول ﷺ ؟
استدل العلماء على حرمة نكاح زوجات الرسول ﷺ بهذه الآية الكريمة وبقوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله وَلاَ أَن تنكحوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً ﴾ [ الأحزاب : ٥٣ ] واختلف العلماء هل الحرمة ثابتة لكل زوجاته الطاهرات سواءً من طلّقت منهن ومن لم تطلّق؟ وسواءً أكانت مدخولاً بها أو غير مدخول بها؟ على مذهبين :
أ- ذهب الشافعي رحمه الله إلى أن المراد من أزواجه كل من أطلق عليها أنها زوجة له ﷺ سواءً طلَّقها أم لم يطلقها فيثبت الحكم لكلهن، وهذا ظاهر الآية الكريمة.
ب- وصحّح إمام الحرمين قصر التحريم على المدخول بها فقط، واستدل بما روي أنّ ( الأشعث بن قيس ) نكح المستعيذة في زمن عمر رضي الله عنه، فهمّ برجمه فأخبره أنها لم تكن مدخولاً بها، فكفّ عنه، وفي رواية : أنه همّ برجمها فقالت : ولمَ هذا؟ وما ضُرِبَ عليّ حجاب، ولا سُمّيتُ للمسلمين أماً، فكفّ عنها.
الترجيح : والصحيح ما ذهب إليه إمام الحرمين من أنّ الحرمة قاصرة على المدخول بها فقط، فلو طلَّقها بعد الدخول تثبت لها الحرمة كذلك، أمّا مجرد العقد عليها فلا يوجب الحرمة كما هو الحال في شأن « المستعيذة » وهي التي تزوجها رسول الله ﷺ فلما أراد الدخول عليها قالت : أعوذ بالله منك، فقال : قد عذتِ بمَعاذ فألحقها بأهلها، وكانت تقول : أنا الشقية، لأنها حرمت من ذلك الشرف الرفيع، شرف الانتساب إلى النبي ﷺ.