وقال الألوسي : أصل التسريح أن ترعى الإبل السّرْح وهو شجر له ثمره ثم جعل لكل إرسال في الرعي ثم لكل إرسال وإخراج. والمراد هنا تركهن وعدم حبسهن في منزل الزوجية.
﴿ سَرَاحاً جَمِيلاً ﴾ : أي طلاقاً بالمعروف فهو مثل قوله تعالى :﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ [ الطلاق : ٢ ] وقوله كذلك ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان ﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ] والسراح الجميل يكون بالتلطف مع المطلقة بالقول، وترك أذاها، وعدم حرمانها مما وجب لها من حقوق، والإحسان إليها.
المعنى الإجمالي
يخاطب الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين فيقول : يا أيها الذين آمنوا إذا عقدتم عقد الزواج على المؤمنات وتزوجتموهن، ثم طلقتموهن من قبل أن تقربوهنّ فليس لكم عليهن حق في العدّة تستوفون عددها عليهنّ لأنكم طلقتموهن قبل المِساس وهذا لا يستلزم احتباس المرأة في البيت وجلوسها في العدّة من أجل صيانة تسبكم لأنكم لم تعاشروهن فليس هناك احتمال للحمل، فالواجب عليكم أن تمتعوهن بدفع ما تطيب نفوسكم لأنكم لم تعاشروهن فليس هناك احتمال للحمل، فالواجب عليكم أن تمتعوهن بدفع ما تطيب نفوسكم لهن. وتكرموهنّ بشيءٍ من المال أو الكسوة تطييباً لخاطرهن وتخفيفاً لشدة وقع الطلاق عليهن وأن تفارقوهنّ بالمعروف فلا تؤذوهن بقول أو عمل، ولا تحرموهن مما وجب لهن عليكم من حقوق. فإنّ ذلك من مقتضى إيمانكم وطاعتكم لله تعالىّ والله تعالى أعلم.
وجه الارتباط بالآيات السابقة
كان الحديث في الآيات السابقة عن نساء النبي ﷺ وما ينبغي أن يكنّ عليه من طاعة لله ورسوله، وزهدٍ في الدنيا، وطهارة وكمال، لأنهن لسن كبقية النساء، والله تبارك وتعالى يريد لهنّ أن يحافظن على ذلك الشرف الرفيع وهو انتسابهن إلى رسول الله حيث أصبحن أمهاتٍ للمؤمنين وزوجات الرسول الطاهرات، وقد أعقب ذلك بذكر قصة ( زيد بن حارثة ) وتطليقه ( زينب ) رضي الله عنها التي تزوجها الرسول بعد ذلك بأمرٍ من الله سبحانه وتعالى وذلك لحكمة جليلة وهي إبطال ( بدعة التبني ) ثم جاء الخطاب هنا للمؤمنين بحكم الزوجة تطلّق قبل المساس وكيف يجب على المؤمنين أن يفعلوا فيما إذا وقع منهم الطلاق قبل المعاشرة، وما هي الأحكام الشرعية التي ينبغي عليهم أن يتمسكوا بها في مثل هذه الأحوال، فهذا وجه الارتباط والله أعلم.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : قوله تعالى :﴿ نَكَحْتُمُ المؤمنات ﴾ فيه إشارة إلى أن المؤمن ينبغي أن يتخيّر لنطفته وأن ينكح المؤمنة الطاهرة، لأن إيمانها يجعلها تحافظ على عفتها ويحجزها عن الوقوع في الفاحشة والشرّ. فتصون عرض زوجها وتحفظه في حضرته وغيبته وصدق الله ﴿ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٢١ ].
اللطيفة الثانية : قوله تعالى :﴿ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ﴾ التعبير ( بثم ) دون الفاء أو الواو، والعطف بها ( التراخي ) للإشارة إلى أن الطلاق ينبغي أن يكون بعد تريث وتفكير طويل، ولضرورة ملحّة لأن الطلاق من الأمور التي يبغضها الله حيث فيه هدم وتحطيم للحياة الزوجية ولهذا قال بعض الفقهاء : إن الآية ترشد إلى أن الأصل في الطلاق الحظر، وأنه لا يباح إلا إذا فسدت الحياة الزوجية، ولم تفلح وسائل الإصلاح بين الزوجين.


الصفحة التالية
Icon