والحكم واحد لا يختلف فيمن تزوّج امرأة فطلّقها على الفور، أو طلّقها على التراخي. ( انظر روح المعاني ).
اللطيفة الثالثة : قوله تعالى :﴿ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ﴾ كنّى بالمسّ عن الجماع وهذا - كما أسلفنا - أدب من آداب القرآن، ينبغي على المسلم أن يتأدب به فيكنى عن كل شيء قبيح أو فاحش.
وما أجمل أدب الرسول حين قال للمرأة المطلّقة المبتوتة التي جاءت تستأذنه في العودة إلى زوجها الأول :« أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ». اللطيفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ ﴾ في إسناد العدّة إلى الرجال إشارة إلى أنها حقّ للمطلّق، فوجوب العدّة على المرأة من أجل الحفاظ على نسب الإنسان فإنّ الرجل يغار على ولده، ويهمه ألا يُسْقَى زرعُه بماء غيره، ولكنّها على المشهور ليست حقاً خالصاً للعبد، بل تعلّق بها حقّ الشارع أيضاً، فإن منع الفساد باختلاط الانساب من حق الشارع.
والصحيح أنّ وجوب العدة فيها ( حق الله، وحق العبد ) ؛ ولهذا قال الفقهاء العدّةُ تجب لحكم عديدة : لمعرفة ( براءة الرحم، وللتعبد، أو للتفجع ) فتدبره.
وجوه القراءات
١- قرأ الجمهور ﴿ من قبل أن تمسّوهنّ ﴾ أي تقربوهن. وقرأ حمزة والكسائي ﴿ من قبل أن تُمَاسّوهنّ ﴾ بزيادة ألف، والمعنى واحد.
٢- قرأ الجمهور ﴿ من عدّة تَعْتَدّونها ﴾ بتشديد الدال من العدّ أي تستوفون عددها، من قولك : عدّ الدراهم فاعتدّها أي استوفى عددها، وقرأ ابن كثير وغيره بتخفيف الدال ﴿ تَعْتَدُونها ﴾ قال الزمخشري : أي تعتدون فيها كقوله : ويوماً شهدناه. والمراد بالاعتداء ما في قوله تعالى :﴿ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ ﴾ [ البقرة : ٢٣١ ].
قال أبو حيان : المعنى تعتدون عليهن فيها، فلما حذف حرف الجر وصل الفعل إلى ضمير العدّة كقوله : ويوماً شهدناه سليماً وعامراً، أي شهدنا فيه.
وجوه الإعراب
أولاً : قوله تعالى :﴿ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ﴾ الآية.
( ما ) نافية حجازية تعمل عمل ليس، و ( لكم ) جار ومجرور خبرها مقدم. و ( من ) صلة تأدباً. و ( عدة ) اسم ليس مؤخر مجرور لفظاً مرفوع محلاً. قال ابن مالك :
وزيد في نفيٍ وشبهه فجّر | نكرة كما لباغٍ من مفر |
ثانياً : قوله تعالى :﴿ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ﴾.
( سراحاً ) مفعول مطلق و ( جميلاً ) صفة له منصوب.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل يقع الطلاق قبل النكاح؟
أجمع الفقهاء على أن الطلاق لا يقع قبل النكاح استدلالاً بقوله تعالى :﴿ إِذَا نَكَحْتُمُ المؤمنات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ﴾ فقد رتّب الطلاق على النكاح وعطفه ( بثمّ ) التي تفيد الترتيب مع التراخي، واستدلالاً بقوله ﷺ :