حيث اختصصناك بما هو أولى وأفضل، وأحللنا لك أجناس المنكوحات توسعة لك، وتيسيراً عليك، لتتفرع لشئون الدعوة والرسالة.
﴿ تُرْجِي ﴾ : قال في « لسان العرب » : أرجأ الأمر : أخّره، وتركُ الهمزة لغة، يقال : أرجأتُ الأمر وأرجيتُه إذا أخرتَه، والإرجاء : التأخير ومنه سمّيت المرجئة، وهم صنف من المسلمين يقولون : الإيمان قول بلا عمل، فهم يرون أنهم لم لم يصلّوا ويصوموا لنجّاهم إيمانهم.
قال ابن عباس في معنى الآية : تطلّق من تشاء من نسائك، وتمسك من تشاء منهن، لا حرج عليك. وقال مجاهد والضحاك : المعنى تَقْسم لمن شئت، وتؤخر عنك من شئت. وتقلّل لمن شئت، وتكثر لمن شئت، لا حرج عليك في ذلك، فإذا علمن أنّ هذا حكم الله وقضاؤه زالت الإحنة والغيرة عنهن، ورضين وقرّت أعينهنّ.
﴿ وتؤوي ﴾ : أي تضمّ، يقال أوى وآوى بمعنى واحد قال تعالى :﴿ آوى إِلَيْهِ أَخَاهُ ﴾ [ يوسف : ٦٩ ] أي ضمّه إليه وأنزله معن. وفي حديث البيعة أنه قال للأنصار « أبايعكم على أن نُؤووني وتنصروني » أي تضموني إليكم وتحوطوني بينكم كذا في « اللسان ».
وقال ابن قتيبة : يقال : آويت فلاناً إليّ بمدّ الألف : إذا ضممتَه إليك، وأويت إلى بني فلان، بقصر الألف : إذا لجأت إليهم.
قال ابن الجوزي :( وأكثر العلماء على أن هذه الآية نزلت مبيحة لرسول الله ﷺ مصاحَبة نسائه كيف شاء، من غير إيجاب والقسمة عليه والتسوية بينهنّ، غير أنه كان يسوّي بينهن ).
﴿ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ ﴾ : أي تطيب نفوسهن بتلك القسمة ومعنى الآية : ذلك التخيير الذي خيّرناك في ضحبتهن، أقرب إلى رضاهنّ وانتفاء حزنهنّ، لأنهنّ إذا علمن أنّ هذا أمر من الله كان ذلك أطيب لأنفسهن، فلا يشعرن بالحزن والألم.
قال أبو السعود :﴿ ذَلِكَ أدنى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ ﴾ أي أقرب إلى قرّة عيونهن، ورضاهنّ جميعاً، لأنه حكم كلهنّ فيه سواء، ثمّ إن سوّيت بينههن وجدن ذلك تفضلاً منك، وإن رجّحت بعضهن علمن أنه بحكم الله فتطمئن به نفوسهن ).
﴿ وَكَانَ الله عَلِيماً حَلِيماً ﴾ : أي بمالغاً في العلم فيعلم كل ما تبدونه وتخفونهه، حليماً لا يعاجل بالعقوبة فلا تغتروا بتأخيرها، فإنه تعالى يمهل ولا يمهل.
المعنى الإجمالي
أحلّ الله تعالى لنبيّه ﷺ صنوفاً من النساء، صنفاً يدفع له المهر ( المهورات ) وصنفاً يتمتع به بملك اليمين ( المملوكات )، وصنفاً من أقاربه من نساء قريش، ونساء بني زُهرة ( المهاجرات )، وصنفاً رابعاً ينكحه بدون مهر ( الواهبات ) أنفسهنّ... وقد خص الباري جلّ وعلا رسوله الكريم في أحكام الشريعة بخصائص لم يشاركه فيها أحد، وذلك توسعة عليه، وتيسيراً له في نشر الرسالة وتبليغ الدعوة، فتزوجطه ﷺ بأكثر من أربع، واختصاصه بنكاح الواهبات أنفسهن بدون مهر، وعدم وجوب القَسْم عليه بين الأزواج، كل ذلك خاص به صلوات الله عليه تشريفاً له وتكريماص، وإظهاراً لمقامه السامي عند الله تعالى.