روى مسلم في « صحيحه » عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :( كنتُ أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله ﷺ وأقول : أما تستحي امرأة أن تهب نفسها لرجل!! حتى أنزل الله تعالى ﴿ تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وتؤوي إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ ﴾ فقلت : ما أرى ربك إلاّ يسارع في هواك ).
ومعنى الآيات الكريمة : يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك الاتي أعطيتهن مهورهن، وأحللنا لك ما مالكت يدك من السبي في الحرب. وأحللنا لك قريباتك من بنات عمك وبنات عماتك، وبنات خالك وبنات خالاتك، اللاتي هاجرن معك، وأحللنا لك النساء المؤمنات الصالحات، اللواتي وهبن أنفسهنّ، حباً في الله وفي رسوله، ورغبة في التقرب لك. إن أردت أن تتزوّج من شئت منهن، بدون مهر خالصة لك من دون المؤمنين، قد علمنا ما فرضنا على المؤمنين في زوجاتهم ورفيقاتهم من شرائط العقد، ووجوب المهر في غير المملوكات، وأمّا أنت فقد خصصناك بخصائص تيسيراً لك، لكيلا يكون عليك ضيق أو حرج، ولك - أيها الرسول - أن تترك من زوجاتك من تشاء، وتضم إليك من تشاء، وتقسم لمن تشاء منهن، وان تراجع بعد الطلاق من تريد، ذلك أقرب أن ترتاح قلوبهن لعلمهنّ أنه بأمر الله وترخيصه لك، فيرضَيْن بكل ما تفعل، ويقبَلْن به عن طيب نفس، وكان الله عليماً بما انطوت عليه القلوب، حليماً لا يعاجل بالعقوبة لمن خالف أمره وعصاه.
سبب النزول
لما نزلت آية التخيير ﴿ ياأيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ﴾ [ الأحزاب : ٢٨ ]. أشفق نشاء النبيّ ﷺ أن يطلقهنّ فقلن : يا نبيّ الله اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت، ودعنا في عصمتك فنزلت هذه الآية ﴿ تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وتؤوي إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ ﴾ الآية.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : الإحلال معناه الإباحة والحلّ، وإسناده إلى الله جل جلاله ﴿ أَحْلَلْنَا لَكَ أزواجك ﴾ دال على أن التحليل والتحريم خاص به سبحانه والتشريع لله وحده والرسول ﷺ مبلّغ عن الله ولا يملك أحد سلطة التشريع ﴿ إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾ [ يوسف : ٤٠ ].
اللطيفة الثانية : في وصفه تعالى النساء بقوله :﴿ اللاتي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ﴾ تنبيه على أن الله تعالىّ اختار لنبيّه ﷺ الأفضل والأكمل، فإنّ إيتاء المهر أولى وأفضل من تأخيره، والتعجيل كان سنّة السلف لا يعرف منهم غيره، وقد شكا بعض الصحابه عدم القدرة على لاتزوج، فقال له عليه السلام :( فأين درعك الحطمية؟ ).
وليس تأخير بعض المهر وتقسيمه إلى ( معجّل ومؤجّل ) إلا شيء استحدثه العرف، واقتضاه التغالي بالمهور، أو الحذر على مستقبل الفتاة من الطلاق بعد أن فسد حال الناس.