ثانياً : قوله تعالى :﴿ وامرأة مُّؤْمِنَةً ﴾ في نصب ( امرأةً ) وجهان :
أحدهما : أن يكون منصوباً بالعطف على قوله ( أزواجَك ) والعامل فيه ( أحللنا ).
والثاني : أن يكون منصوباً بتقدير فعل، وتقديهر : ونُحلّ امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي، وليس معطوفاً على المنصوب ب ( أحللنا ) لأن الشرط والجزاء لا يصح في الماضي، ألا ترى انك لو قلت : إن قُمتَ غداً قُمتُ أمسِ، كنت مخطئاً.
قال أبو البركات بن الأنباري : وهذا الوجه أوجه الوجهين.
ثالثاً : قوله تعالى :﴿ إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النبي أَن يَسْتَنكِحَهَا ﴾ هنا شرطان، والثاني في معنى الحال، والمعنى : أحللناها لك إن وهبت لك نفسها وأنت تريد أن تنكحها، وإذا اجتمع شرطان فالثاني شرط في الأول متأخر في اللفظ، متقدّم في الوقوع ما لم تدلّ قرينه على الترتيب، أفاده أبو حيان.
رابعاً : قوله تعالى :﴿ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ﴾ كلُّهُنَّ : مرفوع لأنه توكيد لنون النسوة في ( يرضين ) وليس توكيداً للضمير في ( آتيتهنّ ) ومعنى الآية : ويرضين كلّهنّ بما آتيتهن.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل يجوز النكاح بلفظ الإجارة أو الهبة؟
لا خلاف بين الفقهاء على أن عقد النكاح ينعقد باللفظ الصريح. وهو لفظ ( النكاح أو الزواج ) وبكل لفظ مشتق من هذه الصيغة، إذا لم يقصد به الوعد لقوله تعالى :﴿ فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ﴾ [ النساء : ٢٥ ] ولقوله ﷺ :« إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه » فصيغة النكاح والتزويج وردت في الكتاب والسنة. وهي من الصيغ الصريحة في النكاح.
وقد اتفق الفقهاء أيضاً على أنّ ألفاظ ( الإباحة، والإحلال، والإعارة، والرهن والتمتع ) لا يجوز بها عقد النكاح. ومثلها لفظ ( الإجارة ) فلا يجوز به عقد النكاح عند جمهور الفقهاء.
وقال أبو الحسن الكرخي : يجوز بلفظ الإجارة لقوله تعالى :﴿ اللاتي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ﴾ وحجته أن الله تعالى سمّى المهر أجراً. والأجر يجب بعقد يتحقق بلفظ الإجارة، فيصح به النكاح.
الرد على الكرخي :
والجواب : أنّ معنى ( الإجارة ) يتنافى مع عقد النكاح. إذ النكاح مبني على التأبيد. والتوقيقُ يبطله. وعقد الإجارة مبنيٌ على التوقيت. حتى لو أطلق كان مؤقتاً ويتجدّد ساعة فساعة. فكيف يصح جعل ما هو موضوع على التوقيت دالاً على ما يبطله التوقيت؟
ومن جهة ثانية فإن الإجارة عقد على لامنافع بعوض، والمهر ليس مقابل العوض. بل هو عطية أوجبها الله تعالى إظهاراً لخطر المحل. ولذلك يصحّ النكاح مع عدم ذكر المهر. ويجب مهر المثل بالدخول. ولا يصح النكاح بلفظ الإجازة حتى لا يلتبس الأمر بعقد المتعة الباطل. ولهذا لم يوافق أحد من فقهاء الحنفية الكرخيَّ فيما ذهب إليه.
أما النكاح بلفظ الهبة فقد أجازه الحنفية. ومنعه جمهور الفقهاء.
أدلة الحنفية :
استدل الحنفية على جواز عقد النكاح بلفظ الهبة بما يلي :
أ- قوله تعالى :﴿ إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النبي أَن يَسْتَنكِحَهَا ﴾ ووجه الاستدلال أنّ الله تعالى وسمّى العقد بلفظ الهبة نكاحاً فقال :( أن يستنكحها ) فدلّ على جواز النكاح بلفظ الهبة، وإذا جاز هذا للنبي ﷺ فقد جاز لنا أيضاً لأننا أمرنا باتباعه والإقتداء به.