كما كان من خلق الرسول ﷺ الحياء الكامل، وكان - كما تروي كتب السنّة - أشدّ حياءً من العذراء في خدرها، فما كان ﷺ يستطيع أن يجيب عن كل سؤالٍ يعرض المرأة عن طريق ( الكناية ) مراده عليه السلام.
تروي السيدة عائشة رضي الله عنها أن امرأة من الأنصار، سألت النبي ﷺ عن غسلها من المحيض، فعلّمها ﷺ كيف تغتسل، ثمّ قال لها : خذي فرصة ممسّكةً ( أي قطعة من القطن بها أثر الطيب ) فتطهّري بها، قالت : كيف أتطهر بها؟ قال : تطهّري بها، قالت : كيف يا رسول الله أتطهر بها؟ فقال لها : سبحان الله تطهّري بها!.
قالت السيدة عائشة : فاجتذبتها من يدها، فقلت : ضعيها في مكان كذا وكذا، وتتبعي بها أثر الدم، وصرحت لها بالمكان الذي تضعها فيه.
فكان صلوات الله عليه يستحيي من مثل هذا التصريح، وهكذا كان القليل أيضاً من النساء من تستيطع أن تتغلّب على نفسها، وعلى حيائها، فتجاهر النبي ﷺ بالسؤال عمّا يقع لها.
نأخذ مثلاً لذلك حديث ( أم سلمة ) المرويّ في « الصحيحين » وفيه تقول :( جاءت أم سُلَيْم ( زوج أبي طلحة ) إلى الرسول الله ﷺ فقالت له : يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة من غُسْل إذا هي احتلمت؟ فقال لها النبي ﷺ : نعم إذا رأت الماء.
فقالت أم سلمة : لقد فضحتِ النساء، ويحك أو تحتلم المرأة؟ فأجابها النبي الكريم بقوله : إذاً فبم يشببها الولد؟ )
مراده عليه السلام أن الجنين يتولد من ماء الرجل، وماءِ المرأة، ولهذا يأتي له شبه بأمه، وهذا كما قال الله تعالى :﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾ [ الإنسان : ٢ ].
قال ابن كثير رحمه الله :« أمشاج : أي أخلاط. والمشج والمشيج الشيء المختلط بعضه في بعض، قال ابن عباس : يعني ماءَ الرجل، وماء المرأة، إذا اجتمعا واختلطا... ».
وهكذا مِثْلُ هذه الأسئلة المحرجة، كان يتولى الجواب عنها فيما بعد زوجاتُه الطاهرات. ولهذا تقول السيدة عائشة رضي الله عنها :« رحم الله نساء الأنصار، ما منعهن الحياء أن يتفقهن في الدين ».
وكانت المرأة منهن تأتي إلى السيدة عائشة في الظلام لتسألها عن بعض أمور الدين، وعن أحكام الحيض والنفاس والجنابة وغيرها من الأحكام، فكان نساء الرسول خيرَ معلّمات وموجهات لهن، وعن طريقهن تفقّه النساء في دين الله.
ثمّ إنه من المعلوم أنّ السنّة المطهّرة ليست قاصرة على قول النبي ﷺ فحسب، بل هي تشمل قوله.


الصفحة التالية
Icon