ولو كان غرض الرسول الشهوة - كما زعم المستشرقون الأفاكون - لاستعاض عنها - وهي الأرملة المسنَّة التي بلغت من العمر الخامسة والخمسين - بالنواهد الأبكار، ولكنه عليه السلام كان المثل الأعلى في الشهامة، والنجدة، والمروءة، ولم يكن غرضه إلا حمايتها ورعايتها، لتبقى تحت كفالته عليه أفضل الصلاة والتسليم.
٣- عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها
تزوجها عليه السلام وكانت بكراً، وهي البكر الوحيدة من بين نسائه الطاهرات فلم يتزوج بكراً غيرها، وكانت عائشة أذكى أمهات المؤمنين وأحفظهن، بل كانت أعلم من أكثر الرجال، فقد كان كثير من كبار علماء الصحابة، يسألونها عن بعض الأحكام التي تشكل عليهم فتحلُّها لهم.
روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال :( ما أشكل علينا أصحابَ رسول الله ﷺ حديث قطُّ، فسألنا عائشة إلاّ وجدنا عندها منه علماً ).
وقال أبو الضحى عن مسروق :( رأيت مشيخة أصحاب رسول الله يسألونها عن الفرائض ).
وقال عروة بن الزبير :( ما رأيتُ امرأة أعلم بطب، ولا فقه، ولا شعر من عائشة ).
ولا عجب فهذه كتب الحديث تشهد بعلمها الغزير، وعقلها الكبير، فلم يَرْو في الصحيح أحد من الرجال أكثر مما روي عنه إلا شخصان هما : أبو هريرة، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
وكان عليه السلام يحب عائشة أكثر من بقية نسائه وكان يعدل بينهن في القسمة ويقول : اللهم هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تؤخذني فيما لا أملك.
ولما نزلت آية التخيير بدأ بعائشة فقال لها : إني ذاكر لك أمراً فلا تَعْجلي حتى تستأمري أبويك، قالت : وقد علم أن أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه فقرأ عليها :﴿ ياأيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا ﴾ [ الأحزاب : ٢٨ ] الآية، فقالت : أوفي هذا استأمر أبوي!! فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة.
ولقد كانت مصاهرة الرسول للصّديق أبي بكر، أعظم منّة ومكافأة له في هذه الحياة الدنيا، كما كان خير وسيلة لنشر سنته المطهّرة، وفضائله الزوجية، وأحكام شريعته، ولا سيما ما يتعلق منها بالنساء كما بينا عند ذكر الحكمة التعليمية.
٤- السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها
تزوجها النبي ﷺ وهي أرملة، وكان زوجها ( خنيس بن حذافَة ) الأنصاري قد استشهد في غزوة بدر، بعد أن أبلى بلاءً حسناً، فقد كان من الشجعان الأبطال، الذين سجّل لهم التاريخ أنصع الصفحات في البطولة والرجولة، والجهاد.


الصفحة التالية
Icon