، فذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾.
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى :﴿ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرسول ﴾ أوّل علي بن أبي طالب رضي الله عنه : معنى ( لنعلم ) لنرى. والعرب تضع العلم ماكان الرؤية، والرؤية مكان العلم كقوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل ﴾ [ الفيل : ١ ] بمعنى : ألم تعلم.
قال الطبري :« الله تعالى عالم بالأشياء كلّها قبل وقوعها، وإنما تأويل الآية ﴿ إِلاَّ لِنَعْلَمَ ﴾ أي ليعلم رسولي وأوليائي، إذا كان من شأن العرب إضافة أتباع الرئيس إلى الرئيس، نحو فتح عمر سواد العراق، وجبى خراجها، وإنما فعل ذلك أصحابه ».
وقال ابن عباس : المعنى : لنميز أهل اليقين من أهل الشك والريبة، ففسّر العلم ب ( التمييز ) لأن بالعلم يقع التمييز.
وقال الزمخشري في « الكشاف » : المراد بالعلم ( علم المعاينة ) الذي يتعلق به الثواب والجزاء كقوله تعالى :﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصابرين ﴾ [ آل عمران : ١٤٢ ].
اللطيفة السادسة : في قوله تعالى :﴿ مِمَّن يَنقَلِبُ على عَقِبَيْهِ ﴾ استعارة تمثيلية حيث مثّل لمن يرتد عن دينه بمن ينقلب على عقبيه، ووجه الاستعارة أن المنقلب على عقبيه قد ترك ما بين يديه وأدبر عنه، فلمّا تركوا الإيمان والدلائل، صاروا بمنزلة المدبر عمّا بين يديه فوصفوا بذلك كما قال تعالى :﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ واستكبر ﴾ [ المدثر : ٢٣ ].
اللطيفة السابعة : سمّى الله تعالى الصلاة ( إيماناً ) في قوله :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ أي صلاتكم لأن الإيمان لا يتم إلاّ بها، ولأنها تشتمل على نيّة، وقول، وعمل.
قال القرطبي : اتفق العلماء على أنها نزلت فيمن مات وهو يصلي إلى بيت المقدس، لما روي عن ابن عباس أنه قال : لمّا وُجه النبي ﷺ إلى الكعبة، قالوا يا رسول الله : فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾.
ثمّ قال : فسمّى الصلاة إيماناً لاشتمالها على نية وقول وعمل.
قال مالك : وفيه رد على من قال : إن الصلاة ليست من الإيمان.
اللطيفة الثامنة : قال الزمخشري : إنّ ( قد ) هنا بمعنى ( ربما ) وهي للتكثير، ومعناه كثرة الرؤية كقول الشاعر :
قد أتركُ القِرْنَ مصفَرّاً أناملُه | كأنّ أثوابَه مُجّتْ بفرصاد |
والتعبير بقوله تعالى :﴿ قَدْ نرى ﴾ بمعنى قد رأينا، لأن ﴿ قَدْ ﴾ تقلب المضارع ماضياً كما يقول النحاة ومنه قوله تعالى :﴿ قَدْ يَعْلَمُ الله المعوقين ﴾ [ الأحزاب : ١٨ ] وقوله :﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ ﴾ [ الحجر : ٩٧ ] أي قد علمنا.
اللطيفة التاسعة : قال المحققون من أهل التفسير : في قوله تعالى :﴿ قَدْ نرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السمآء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾ في هذه الآية تنبيه لطيف على حسن أدبه عليه السلام حيث انتظر الوحي ولم يسأل ربه، وقد أكرمه الله تعالى على هذا الأدب بقبلة يحبها ويهواها فقال تعالى :﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾ وفي سبب محبته ﷺ التوجه إلى المسجد الحرام وترك التوجه إلى بيت المقدس وجوه :
الأول : مخالفةً لليهود حيث كانوا يقولون : يخالفنا محمد ثم يتّبع قبلتنا ولولا نحن لم يدر أين يستقبل.