وما اختاره ( أبو حيان ) هو الذي نختاره لأنه يحقّق غرض الإسلام في التستّر والصيانة والله أعلم.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل يجب الحجاب على جميع النساء؟
يدل ظاهر الآية الكريمة على أنّ الحجاب مفروض على جميع المؤمنات ( المكلفات شرعاً ) وهنّ :( المسلمات، الحرائر، البالغات ) لقوله تعالى :﴿ ياأيها النبي قُل لأزواجك وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ المؤمنين... ﴾ الآية.
فلا يجب الحجاب على الكافرة لأنها لا تكلّف بفروع الإسلام، وقد أمرنا أن نتركهم وما يدينون، ولأنّ ( الحجاب ) عبادة لما فيه من امتثال أمر الله عزّ وجلّ، فهو بالنسبة للمسلمة كفريضة الصلاة والصيام، فإذا تركته المسلمة جحوداً فهي ( كافرة ) مرتدة عن الإسلام، وإذا تركته - تقليداً للمجتمع الفاسد - مع اعتقادها بفرضيته فهي ( عاصية ) مخالفة لتعاليم القرآن ﴿ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهلية ﴾ [ الأحزاب : ٣٣ ].
وغير المسلمة - وإن لم تُؤمر بالحجاب - لكنّها لا تُترك تفسد في المجتمع، وتتعرّى أمام الرجل، وتخرج بهذه الميوعة والانحلال الذي نراه في زماننا، فإنّ هناك ( آداباً اجتماعية ) يجب أن تُراعى، وتطبّق على الجميع، وتستوي فيها المسلمة وغير المسلمة حماية للمجتمع، وذلك من السياسات الشرعية التي تجب على الحاكم المسلم.
وأمّا الإماء فقد عرفتَ ما فيه من أقوال للعلماء، وقد ترجّح لديك رأي العلاّمة ( أبي حيّان ) : في أنّ الأمر بالستر عام يشمل الحرائر والإماء، وهذا ما يتفق مع روح الشريعة في صيانة الأغراض، وحماية المجتمع، من التفسخ والانحلال الخلقي، وأمّا البلوغ فهو شرط التكليف كما تقدم.
أقول : يطلب من المسلم أن يعوّد بناته منذ سنّ العاشرة على ارتداء الحجاب الشرعي حتى لا يصعب عليهن بعدُ ارتداؤه، وإن لم يكن الأمر على وجه ( التكليف ) وإنما هو على وجه ( التأديب ) قياساً على أمر الصلاة ( مُروا أولادكم بالصلاة وهم أنباء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ).
الحكم الثاني : ما هي كيفية الحجاب؟
أمر الله المؤمنات بالحجاب وارتداء الجلباب صيانة لهنّ وحفظاً، وقد اختلف أهل التأويل في كيفية هذا التستر على أقوال :
أ- فأخرج ابن جرير الطبري عن ابن سيرين أنه قال :( سألتُ عَبيدةَ السّلماني ) عن هذه الآية ﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن ﴾ فرفع مِلْحفة كانت عليه فتقنّع بها، وغطّى رأسه كلّه حتى بلغ الحاجبين، وغطّى وجهه وأخرج عينه اليسرى من شقّ وجهه الأيسر.
ب- وروى ابن جرير وأبو حيّان عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال :( تلوي الجلباب فوق الجبين، وتشدّه ثمّ تعطفه على الأنف، وإن ظهرت عيناها، لكنّه يستر الصدر ومعظم الوجه ).
ج - وروي عن السّدي في كيفيته أنه قال :( تغطّي إحدى عينيها وجبهتها، والشقّ الآخر إلا العين ). قال أبو حيّان :« وكذا عادة بلاد الأندلس لا يظهر من المرأة إلاّعينها الواحدة.
د- وأخرج عبد الرزاق وجماعة عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت :»
لما نزل هذه الآية ﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن ﴾ خرج نساء الأنصار كأنّ على رؤوسهنّ الغُربان من أكسية سودٍ يلبسنها «.


الصفحة التالية
Icon