سورة سبأ
[ ١ ] حكم التماثيل والصور
التحليل اللفظي
﴿ فَضْلاً ﴾ : أي أمراً عظيماً فضّلناه به على غريه، والمراد به النبوة والزبور، وقيل : ما خصّه الله تعالى به على سائر الأنبياء من النعم كتسخير الجبال، والطير، وإلانة الحديد، وحسن الصوت، وغير ذلك من النعم.
﴿ أَوِّبِي مَعَهُ ﴾ : أي سبّحي معه، ورجّعي معه التسبيح قال تعالى :﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا الجبال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بالعشي والإشراق ﴾ [ ص : ١٨ ].
قال القرطبي : فكان إذا قرأ الزبور صوّتت الجبال معه، وأصغت إليه الطير، فكأنها فعلت ما فعل.
قال ابن قتيبة : وأصل التأويب في السير، وهو أن يسير النهار كله وينزل ليلاً، فكأنه أراد : ادأبي النهار كله بالتسبيح معه إلى الليل.
وقيل المعنى : سيري معه حيث شاء، من التأويب وهو السير، قال ابن مقبل :
لحقنا بحّيٍ أوّبوا السّيْر بعدما | دفعنا شعاع الشمس والطرف يجنح |
قال أبو حيّان : السابغات : الدروع، وأصله الوصف بالسبوغ وهو التمام والكمال، وغلب على الدروع فصار كالأبطح قال الشاعر :
عليها أسودٌ ضارباتٌ لبَوسُهم | سوابغُ بيضٌ لا يخرّقُها النبلُ |
﴿ وَقَدِّرْ فِي السرد ﴾ : أي في النسج، والمراد : اجعله على قدر الحاجة، لا تجعل حِلَق الدرع صغيرة فتنفصم الحَلْقة، ولا واسعة فلا تقي صاحبها السهم والرمح.
قال قتادة : كانت الدروع قبل داود صفائح فكانت ثقالاً، فأُمر بأن يجمع بين الخفّة والحصانة، ويقال لصانع الدروع سرّاد، وزرّاد بإبدال السين بالزاي، والسّرْد : إتباع الشيء بالشيء من جنسه قال الشمّاخ :
فظلّت تِباعاً خيلُنا في بيوتكم | كما تابعت سرْدَ العِنَان الخوارز |
قال القرطبي : وأصل ذلك في سرد الدرع، وهو أن يحكمها ويجعل نظام حلَقها وِلاءً غير مختلف قال لبيد :
صنع الحديدَ مضاعفاً أسرادُه | لينال طولَ العيش غير مروم |
قال المفسّرون : أجرى الله لسليمان عين الصُّفْر، حتى صنع منها ما أراد من غير نار، كما أُلين لداود الحديدُ بغير نار، فبقيت تجري ثلاثة أيام ولياليهنّ كجري الماء، وإنما يعمل الناس اليوم مما أعطي سليمان.
قال القرطبي :« وتخصيص الإسالة بثلاثة أيام لا يدري ما حدّه، ولعله وَهَم من الناقل، والظاهر أنه جُعل النحاس لسليمان في معدنه عيناً تسيل كعيون المياه، دلالة على نبوته ».
﴿ يَزِغْ ﴾ : أي يعدل عن أمرنا به من طاعة سليمان، يقال : زاغ أي مالَ وانصرف.