سورة ص
[ ١ ] موقف الشريعة من الحيل
التحليل اللفظي
﴿ بِنُصْبٍ ﴾ : النُصْب بضم النون وسكون الصاد بمعنى التعب كالنّصَب. قال الفراء : هما كالرُشْد والرَشد، والحُزْن والحزن معناهما واحد.
قال في اللسان : والنَّصْب، والنّصْب والنُّصُب : والبلاء والشر، والنّصَب : الأعياء من العناء. وفي التنزيل :﴿ لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ ﴾ [ الحجر : ٤٨ ] أي تعب.
وقال أبو عبيدة : النُصْب : الشر والبلاء، والنّصَب : التعب والإعياء.
والمراد في الآية : مرضُ أيوب وما كان يقاسيه من أنواع البلاء في جسده.
﴿ اركض ﴾ : الركض : الدفع بالرجل، يقال : ركض الدابةَ إذا ضربها برجله لتعدو، وقال المبرّد : الركض التحريك والضرب، ولهذا قال الأصمعي : يقال رُكِضَت الدابةُ، ولا يقال : ركَضَت هي، لأن الركض إنما هو تحريك راكبها رجليه ولا فعل لها في ذلك. والمراد في الآية : اضرب برجلك ينبع الماء فتغتسل وتشرب منه.
﴿ مُغْتَسَلٌ ﴾ : المغتسل الماء الذي يُغتسل به، وقيل : الموضع الذي يغتسل فيه، والصحيح الأول.
﴿ ضِغْثاً ﴾ : الضّغْث في أصل اللغة : الشيء المختلط ومنه ( أضغاث أحلام ) للرؤيا المختلطة.
قال في اللسان : الضغث : قبضة من قضبان مختلفة يجمعها أصل واحد مثل الأسَل والكرّاث قال الشاعر :
كأنّه إذْ تدلّى ضِغْث كُرّاث... وقيل : هي الحزمة من الحشيش، مختلطة الرطب باليابس.
وقال ابن عباس : هو عُشْكال النخل الجامع بشماريخه. أي عنقود النخل المتفرّع الأغصان.
والمعنى : أمره الله أن يأخذ حزمة من العيدان فيها مائة عود، ويضربها بها ضربة واحدة، ليبرّ في يمينه ولا يحنث فيها.
﴿ تَحْنَثْ ﴾ : الحنثُ : الخُلْف في اليمين، يقال : حنث في يمينه، يحنث إذا لم يبرّ بها.
قال في اللسان : الحنيث في اليمين : نقضُها والنكثُ فيها، وهو من الحِنْث بمعنى الإثم وفي الحديث :« اليمين حنْثٌ أو مندمة » ومعناه : إمّا أن يندم على ما حلف عليه، أو يحنث فتلزمه الكفارة. والحنْث : الذنب العظيم، وفي التنزيل العزيز :﴿ وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الحنث العظيم ﴾ [ الواقعة : ٤٦ ].
﴿ أَوَّابٌ ﴾ : الأوْب : الرجوع، والأوّاب : التّوَّاب، الرجّاع، الذي يرجع إلى التوبة والطاعة، ويرجع إلى الله في جميع أمورة، وهي من صيغ المبالغة مثل ( ظلاّم ) و ( قتّال ).
المعنى الإجمالي
اذكر يا محمد لقومك قصة عبدنا ( أيوب ) إذ نادى ربه مستغيثاً به، ضارعاً إليه، فيما نزل به من البلاء، راجياً أن يكشف الله عنه الضر حيث قال : ربّ إني أُصبتُ ببلاء وشدّة، وتعب وضنى، وأنت أرحم الراحمين ورب المستضعفين... فاستجاب الله الحليم الكريم دعاءه، وكشف عنه شدته، فأذهب عنه الآلام والأسقام، وأمره أن يضرب برجله الأرض، حتى تنبع له عين ماء يكون فيها شفاؤه، وقلنا له : هذا مغتسل بارد وشراب، تغتسل منه وتشرب فتشفى بإذن الله، فلما ضرب الأرض نبعث له عين ماء، فاغتسل منها فذهب الداء من ظاهره، ثم شرب منها فذهب الداء من باطنه، فعادت إليه الحياة الطبيعية التي كان يعيشها، وشعر بأهله وأولاده، ونعم بأسرته التي كانت بالنسبة إليه كالمفقودة، ومتّعه الله بصحته وقواه حتى كثر نسله وتضاعف عدد أولاده، ورزقه من الأموال فضلاً منه ونعمة، وإكراماً لعبده الصابر الطائع، وتذكيراً لعباد الله بفضل الله وإكرامه لأنهم إذا ذكروا بلاء أيوب - وهو أفضل أهل زمانه - وطّنوا أنفسهم على الصبر على شدائد الدنيا ومصائبها، واللجوء إلى الله تعالىّ فيما يحيق بهم كما لجأ أيوب ليفعل الله بهم ما فعل به من حسن العاقبة، وعظيم الإكرام.