وما كان الله - جلت حكمته - ليكرمه ويدع زوجه التي أحسنت إليه، وأعانته في بلائه ومحنته، وكان قد حلف لأمر فعلته ليضربنها مائة جلدة، فجزاها الله بحسن صبرها أن أفتاه في ضربها تسهيلاً عليه وعليها فأمره أن يجمع لها ( مائة عود ) ويضربها ضربة واحدة، لا يحنث في يمينه.
ثم شهد الله تعالى لأيوب عليه السلام شهادة تبقى على مر الأزمان، مظهره أنه كان في بلائه صابراً، لا تحمله الشدة على الخروج عن طاعة ربه، والدخول في معصيته، فكان من خيره خلق الله وعبّاده، مقبلاً على طاعته، رجَّاعاً إلى رضاه، فلم يكن دعاؤه عن تذمر وشكوى، وإنما كان لجوءاً إلى الله العليّ القدير الذي بيده مقاليد السموات والأرض.
الغرض من ذكر القصة
المقصود من ذكر قصة ( أيوب ) عليه السلام، وما قبلها من قصص الأنبياء الاعتبار بما يقع في هذه الحياة، كأنّ الله تعالى يقول : يا محمد، إصبر على سفاهة قومك، وشدتهم في معاملتك، ومقابلة دعوتك بالصدود والإعراض، فإنه ما كان في الدنيا أكثر نعمة ومالاً وجاهاً من ( داود ) و ( سليمان ) - عليهما السلام - وما كان أكثر بلاء ومحنة من أيوب - عليه السلام - فتأمل في أحوال هؤلاء لتعرف أنّ أحوال الدنيا لا تنتظم لأحد، وأن العاقل لا بدّ له من الصبر على المكاره.
وجوه القراءات
أولاً : قوله تعالى :﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ ﴾ قرأ الجمهور بفتح همزة ﴿ أنّي ﴾ وقرأ عيسى بن عمر ( إنّي ) بكسرها على تقدير : قال إني.
ثانياً : قوله تعالى :﴿ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴾ قرأ الجمهور ﴿ بنُصْبٍ ﴾ بضم النون وسكون الصاد، وقرأ الحسن ﴿ بنَصَبٍ ﴾ بضمهما.
وقرأ بعضهم ﴿ بنَصْب ﴾ بفتح النون وسكون الصاد، ونسبها جماعة إلى أبي جعفر.
قال الطبري :« والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قراءة الأمصار وذلك الضم في النون والسكون في الصاد »
وجوه الإعراب
أولاً : قوله تعالى :﴿ واذكر عَبْدَنَآ أَيُّوبَ ﴾ عطف على قوله ﴿ واذكر عَبْدَنَا دَاوُودَ ﴾ [ ص : ١٧ ] من عطف جملة على جملة.
و ( أيوب ) عطف بيان، أو بدل من ( عبدنا ) بدل كل من كل.
ثانياً : قوله تعالى :﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضر ﴾ [ الأنبياء : ٨٣ ] منصوب بنزع الخافض أي ( بأني مسَّني ) حكاية لكلامه الذي ناداه بسببه، ولو لم يحك قوله لقال : بأنه مسّه، لأنه غائب.


الصفحة التالية
Icon