.. إلى آخر ما هنالك من حكايات مكذوبة وقصص إسرائيلية تلقّفها بعض القُصّاص، ودخلت إلى بعض كتب التفسير وهي مما تنافي ( عصمة الأنبياء ).
والذي ينبغي أن يقتصر عليه المسلم أنّ ما أصاب ( أيوب ) من ضر إنما كان مرضاً من الأمراض المستعصية، التي ينوء بحملها الناس عادة، ويضجرون من ثقلها، وخصوصاً إذا امتد الزمن بها، وأن هذا المرض لم يصل إلى حدّ الاستقذار والنفرة، وأنه غضب على زوجه لأمرٍ من الأمور فحلف ان يضربها مائة جلدة، فجعل الله له من أمره فرجاً ومخرجاً، وسهّل عليه الأمر فجمع لها ( مائة عود ) فضربها بها ضربة واحدة ولم يحنث في يمينه، وكشف الله عنه ضُرّه وبلاءه.
الحكم الثاني : هل يباح للرجل ضرب امرأته تأديباً؟
استدل بعض العلماء بالآية الكريمة على جواز ضرب الرجل امرأته تأديباً، وذلك لأن امرأة أيوب أخطأت في حق زوجها فحلف ليضربنّها مائة جلدة، فأمره الله تعالى أن يضربها بعثكول من عثاكيل النخيل أو بحزمةٍ من العيدان، وذلك ليبرّ في يمينه ولا يحنث، ولو كان الضرب غير جائز لما أقرَّه القرآن عليه ودلّه على ما هو أرحم.
وفي الآية إشارة إلى أنه لا يجوز ضرب المرأة فوق حدود الأدب، ولهذا قال عليه السلام في حجة الوداع :« واضربوهنّ ضرباً غير مبرِّح »، والجوازُ لا ينافي الكراهة فقد ورد عن النبي ﷺ أنه قال :« لا تضربوا إماء الله » فجاء عمر إلى رسول الله ﷺ فقال : ذأرن النساء على أزواجهن، فرخّص في ضربهن، فأطاف بآل النبي ﷺ نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال ﷺ :« لقد طاف بآل محمد نساء يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم ».
قال الجصاص :« والذي ذكره الله في القرآن وأباحه من ضرب النساء إذا كانت ناشزاً بقوله :﴿ والاتي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ﴾ [ النساء : ٣٤ ] إلى قوله ﴿ واضربوهن ﴾ [ النساء : ٣٤ ] وقد دلت قصة أيوب على أن له ضربها تأديباً لغير نشوز وقوله تعالى :﴿ الرجال قوامون عَلَى النسآء ﴾ [ النساء : ٣٤ ] فما روي من القصة فيه يدل على مثل دلالة قصة أيوب، لأنه روي أن رجلاً لطم امرأته على عهد رسول الله ﷺ فأراد أهلها القصاص فأنزل الله :﴿ الرجال قوامون عَلَى النسآء ﴾ [ النساء : ٣٤ ].
الحكم الثالث : هل الحكم خاص بأيوب أم هو عام لجميع الناس؟
اختلف العلماء في هذا الحكم الذي أرشده الله تعالى إليه نبيّه ( أيوب ) عليه السلام هل هو خاص به أم عام لجميع الناس؟
فذهب ( مجاهد ) إلى أنه خاص بأيوب عليه السلام، وهو منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو مذهب ( مالك، وأحمد بن حنبل ) رحمهما الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon