﴿ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ : أي بيّنها لهم وأعلمهم منازلهم فيها فلا يخطئونها، أو عرّفها لهم في الدنيا بذكر أوصافها كما قال تعالى :﴿ مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ... ﴾ [ محمد : ١٥ ] الآية.
المعنى الإجمالي
يأمر الله سبحانه المؤمنين عند لقاء الكفار في الحرب، الاّ تأخذهم شفقة عليهم، بل ينبغي أن يُحكِّموا السلاح في رقابهم، ويحصدونهم بسيوفهم حصداً، حتى إذا غلبوهم، وقهروهم، وكسروا شوكتهم، عند ذلك عليهم أن يشدوا الوثاق وهو كناية عن وقوعهم أسرى في أيدي المؤمنين، فإذا انتهت الحرب فالمؤمنون عند ذلك بالخيار، إمّا أن يمنّوا على الأسرى فيطلقوا سراحهم بدون عوض، وإمّا أن يأخذوا منهم الفداء ليستعين به المسلمون على مصالحهم، بعد أن تضعف عزائم المشركين وتكسر شوكتهم.
ثم بيّن الله سبحانه الحكمة من مشروعية القتال مع قدرته تعالى أن ينتصر من أعدائه من غير أن تكون حرب بين المؤمنين والكافرين، وتلك الحكمة هي امتحان الناس، واختبار صبرهم على المكاره، واحتمالهم للشدائد في سبيل الله ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصابرين ﴾ [ آل عمران : ١٤٢ ].
ثم بيّن الله تعالى بعد ذلك أنّ الذين أكرمهم الله بالشهادة في سبيله، ستحفظ أعمالهم.
وتخلّد لهم، ثم هم بعد ذلك في روضات الجنات يُحبرون وفي ذلك حضّ على الجهاد، وترغيب للخروج في سبيل الله لينال المؤمن إحدى الحسنَيْين : إما النصر والعزة في الدنيا، وإمّا الشهادة في سبيل الله.
وجوه القراءات
أولاً : قوله تعالى :﴿ فَشُدُّواْ الوثاق ﴾ قرأ الجمهور ﴿ الوَثَاق ﴾ بفتح الواو، وقرئ ﴿ الوِثاق ﴾ بالكسر وهو اسم لما يوثق به.
قال الألوسي :« ومجيء ( فِعال ) اسم آلة كالحِزام والركاب نادر على خلاف القياس، وظاهر كلام بعضهم أنّ كلاً من المفتوح والمكسور اسم بما يوثق به ».
ثانياً : قوله تعالى :﴿ وَإِمَّا فِدَآءً ﴾ قرأ الجمهور بالمدّ، وقرأ ابن كثير ﴿ وإمّا فَدَى ﴾ بالفتح والقصر كعصا.
قال أبو حاتم : لا يجوز قصره لأنه مصدر فاديته.
قال الشهاب : ولا عبرة به فقد حكى الفراء فيه أربع لغات الفتح والكسر، مع المد والقصر.
ثالثاً : قوله تعالى :﴿ والذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله ﴾ قرأ الأعمش وحفص عن عاصم ﴿ قُتلوا ﴾ بتخفيف التاء مبنياً للمجهول، وقرأ الجمهور ﴿ قاتلوا ﴾ بألف مبيناً للمعلوم.
رابعاً : قوله تعالى :﴿ فَلَن يُضِلَّ أعمالهم ﴾ قرأ عليّ كرم الله وجهه ﴿ يُضَل ﴾ مبنياً للمفعول، و ﴿ أعمالُهم ﴾ بالرفع نائب فاعل، وقرئ ﴿ يَضلّ ﴾ بفتح الياء من ضلّ وأعمالُهم فاعل. وقراءة الجمهور ﴿ يُضِلَّ أعمالَهم ﴾ أي لن يُضلّ الله أعمالهم بمعنى لن يضيِّعها.
خامساً : قوله تعالى :﴿ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ قرأ الجمهور بتشديد الراء، وقرأ أبو رجاء وابن محيصن ﴿ عَرَفها لهم ﴾ بتخفيف الراء.
وجوه الإعراب
أولاً : قوله تعالى :﴿ فَضَرْبَ الرقاب ﴾ منصوب على المصدرية، أي اضربوا ضرب فهو مفعول مطلق لفعل محذوف، وهو من إضافة المصدر للمفعول، والأصل : اضربوا الرقاب ضرباً، فحذف الفعل وقُدّم المصدر، وأنيب منابه مضافاً إلى المفعول، وحذف الفعل في مثله واجب كما نبّه عليه علماء النحو.


الصفحة التالية
Icon