[ ٢ ] ترك العمل بعد الشروع
التحليل اللفظي
﴿ تبطلوا ﴾ : تضيعوا ثوابها من بَطَل الشيء يَبْطُل بُطْلاً وبطلاناً : ذهب ضياعاً وخسراً.
﴿ وَصَدُّواْ ﴾ : أعرضوا من الصد : وهو الإعراض والصدوف، قال تعالى :﴿ رَأَيْتَ المنافقين يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً ﴾ [ النساء : ٦١ ]
﴿ فَلاَ تَهِنُواْ ﴾ : أي لا تفْتُروا، ولا تضعُفُوا، ولا تجبُنوا عن قتال العدو من الوهن أي الضعف في النفس والعمل قال تعالى :﴿ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله ﴾ [ آل عمران : ١٤٦ ].
﴿ وَلَن يَتِرَكُمْ ﴾ : أي لن ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئاً، ولن يظلمكم من وتَرَه حقَّه وماله نقصه إياه وفي حديث النبي ﷺ :« من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهله وماله ».
قال أبو عبيدة : وترثُ الرجل إذا قتلتَ له قتيلاً من ولدٍ أو أخ، أو حميم، أو قريب، أو ذهبتَ بماله.
المعنى الإجمالي
نادى الله سبحانه وتعالى المؤمنين مخاطباً إياهم بوصف الإيمان تذكيراً لهم بأن هذا الوصف يدعوهم إلى طاعة أوامر الله تعالى، الآتية بعد هذا النداء، ثم جاء الأمر بطاعة الله جل جلاله في أوامره ونواهيه، فطاعته هي السبيل إلى الفلاح في الدنيا والآخرة، وطاعة رسول الله ﷺ من طاعة المولى سبحانه فعلى المؤمن أن يتَّبعه في كل سُنَّة سنَّها.
ثم نهى الله المؤمن عن إبطال عمله، فقد يقدِّم أعمالاً كثيرة من الطاعة، ولكنه قد يضيع عمله بالمعاصي والرياء والعجب... إلى غير ما هنالك، فنهاه الله عن ذلك، فعلى المؤمن أن يحافظ على ما يقدم من الطاعات.
ثم بين الله تعالى أنه لا يغفر الشرك، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، حتى لا يظن الظان أن المؤمن إن أبطل عمله بالمعاصي فقد هلك، بل فضلُ الله باق يغفر له بفضله، وإن لم يغفر له بعمله.
وإذا كان أمر الكفار في الآخرة هذا، فأمرهم في الدنيا كذلك من الذلة والحقارة، فلا تضعفوا أيها المؤمنون في ملاقاتهم، ولا تجنبوا عن قتالهم، فالنصر لك آجلاً أو عاجلاً، فلا تدعوا الكفار إلى الصلح خوراً، وإظهاراً للعجز فإن ذلك إعطاء للدنية، وأنتم الأعلون عزةً وقوةً ورفعة مكانة، وذلك لأن الله معكم يؤيدكم بنصرة، ويؤيدكم بقوته، ولن ينقصكم من أعمالكم شيئاً بل يعطيكم ثوابها كاملاً خير منقوص.
فائدة
أولاً : أخرج عبد بن حميد ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال :« كان أصحاب رسول الله ﷺ يرون أنه لا يضر مع ( لا إله إلا الله ) ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل حتى نزلت :﴿ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول وَلاَ تبطلوا أعمالكم ﴾ فخافوا أن يبطل الذنب العمل. ولفظ عبد بن حميد » فخافوا الكبائر أن تحبط أعمالكم «.