ثانياً : وأخرج ابن نصر المروزي وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :
كنا معاشر أصحاب محمد ﷺ نرى أنه ليس شيء من الحسنات إلا مقبولاً حتى نزلت ﴿ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول وَلاَ تبطلوا أعمالكم ﴾ فلما نزلت هذه الآية قلنا : ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا : الكبائر الموجبات، والفواحش، فكنا إذا رأينا من أصاب شيئاً منها قلنا : قد هلك، حتى نزلت هذه الآية :﴿ إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ [ النساء : ٤٨ ] فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك، وكنا إذا رأينا أحداً أصاب منها شيئاً خفنا عليه، وإن لم يصب منها شيئاً رجونا له.
وجوه القراءات
أولاً : قوله تعالى :﴿ وتدعوا إِلَى السلم ﴾ قرأ الأكثرون بفتح السين ﴿ السّلْم ﴾. وقرأ الحسن وحمزة وغيرهما بكسر السين ﴿ السِّلْم ﴾.
ثانياً : قوله تعالى :﴿ تدعوا ﴾ قرأ الجمهور تدعوا مضارع دعا. وقرأ السّلمي بتشديد الدال تدَّعوا : أي تفتروا.
وجوه الإعراب
١- قوله تعالى :﴿ وَأَنتُمُ الأعلون ﴾ جملة حالية وكذا ( والله معكم ).
ويجوز أن يكونا جملتي استئناف أخبر أولاً بقوله أنتم الأعلون فهو إخبار بمغيب أبرزه الوجود، ثم ارتقى إلى رتبة أعلى من التي قبلها وهي كون الله تعالى معهم.
فلا تهنوا : الفاء فصيحة في جواب شرط مفهوم مما قبله أي إذا علمتم أن الله مبطل أعمالهم ومعاقتهم فهو خاذلهم في الدنيا والآخرة فلا تبالوا بهم، ولا تظهروا ضعفاً.
وقيل : هي لترتيب النهي على ما سبق من الأمر بالطاعة.
وتدعوا إلى السلم : عطف على تهنوا داخل في حيّز النهي.
وجُوِّز أن يكون منصوباً بإضمار أن فيعطف المصدر المسبوك على مصدر متصيّد مما قبله.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : قال الفخر الرازي :« قوله تعالى :﴿ وَأَطِيعُواْ الرسول ﴾ العطف ها هنا من باب عطف المسبب على السبب يقال اجلس واسترح وقم وامش، لأن طاعة الله تَحْمل على طاعة الرسول ».
وقال الألوسي :« وإعادة الفعل في قوله :﴿ وَأَطِيعُواْ الرسول ﴾ للاهتمام بشأن إطاعته ﷺ ».
اللطيفة الثانية : قوله تعالى :﴿ وَلاَ تبطلوا أعمالكم ﴾ الآية.
قال الفخر الرازي : يحتمل وجوهاً :
أحدها : دوموا على ما أنتم عليه ولا تشركوا فتبطل أعمالكم قال تعالى :﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [ الزمر : ٦٥ ].
الوجه الثاني : لا تبطلوا أعمالكم بترك طاعة الرسول كما أبطل أهل الكتاب أعمالهم بتكذيب الرسول وعصيانه ويؤيده قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بالقول كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ﴾ [ الحجرات : ٢ ].
الثالث : لا بتطلوا أعمالكم بالمنّ والأذى كما قال تعالى :﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ ﴾ [ الحجرات : ١٧ ].
وقد اختلف فيما يبطل الأعمال على أقوال :
قال الحسن : المعاصي والكبائر.