[ القصص : ٧٦ ]. وأصل البغي : مجاوزة الحد في الظلم والطغيان، والفئة الباغية : هي الظالمة الخارجة عن طاعة الإمام العادل وفي الحديث ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية ).
قال في اللسان : وكل مجاوزة وإفراط على المقدار الذي هو حدّ الشيء بغيٌ، وفي التنزيل :﴿ بغى بَعْضُنَا على بَعْضٍ ﴾ [ ص : ٢٢ ].
﴿ تفياء ﴾ : أي ترجع إلى الطاعة، وفاء إلى الشيء : رجع إليه ومنه قوله تعالى :﴿ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ البقرة : ٢٢٦ ] أي رجعوا. والفيء : ما رجع إلى المسلمين من الكفار بدون حرب.
﴿ المقسطين ﴾ : العادلين المحقين، من الرباعي ( أقسط ) بمعنى عدل، وأمّا ( قَسَطَ ) فمعناه ظلم وقد تقدّم.
المعنى الإجمالي
يقول الله تبارك وتعالى ما معناه : يا أيها المؤمنون، يا من أتصفتم بالإيمان، وصدّقتم بكتاب الله، وآمنتم برسوله، وعلمتم علم اليقين أنّ ما جاءكم به الرسول حق لأنه من عند الله، لا تسمعوا لكل خبر، ولا تصدّقوا كل إنسان، بل تحقّقوا وتثبتوا من الأمر، قبل أن تصيبوا إخوة لكم مؤمنين، بسبب خبر لم تتحققوا من صحته، وكلام لم تتأكدوا من صدقه، فتندموا على ما فرط منكم، ولكن لا ينفعكم حينئذٍ الندم.
واعلموا - أيها المؤمنون - أن فيكم السيّد المبجّل، والنبيّ المعظّم ( رسول الله ﷺ ) المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، الذي يطلعه الله على الخفايا، فلا تحاولوا أن تستميلوه لرأيكم، ولو أنه استجاب لكم، وأطاعكم في غالب ما تشيرون به عليه، لوقعتم في الجهد والهلاك، ولكنّ الله - بمنّة وفضله - حفظه وحفظكم، ونوّر بصائر أتباعه المؤمنين، وحبّب إليهم الإيمان، وبغّض إليهم الكفّر والفسوق والعصيان، وأرشدهم إلى سبيل الخير والسعادة.
ثمّ عقّب تعالى بما يترتب على سماع مثل هذه ( الأنباء المكذوبة ) من تخاصم، وتباغض، وتقاتل، فقال : إذا رأيتم أيها المؤمنون طائفتين من إخوانكم جنحتا إلى القتال والعدوان، فابذلوا جهدكم للتوفيق بينهما، وادعوهما إلى النزول على حكم الله، فإن اعتدت إحدى الطائفتين على الأخرى وتجاوزت حدّها بالظلم والطغيان، وأرادت أن تبغي في الأرض، فقاتلوا تلك الطائفة الباغية، حتى تثوب إلى رشدها، وترضى بحكم الله تعالىّ، وتقلع عن البغي والعدوان، فإذا كفّت عن العدوان فأصلحوا بينهما بالعدل، لأنهم إخوتكم في الدين، ومن واجب المسلمين أن يَصْلحوا بين الإخوان، لا أن يتركوا البغضاء تدبّ، والفرقة تعمل عملها، لأنّ المؤمنين جميعاً إخوة، جمعتهم ( رابطة الإيمان ) وليس ثمة طريق إلى إعادة الصفاء إلاّ بالإصلاح بين المتخاصمين، فهو سبيل الفلاح وطريق الفوز والنجاح، واتقوا الله لتنالكم رحمته، وتسعدوا بمرضاته ولقائه.
سبب النزول
أولاً : روى الإمام أحمد عن الحارث بن ضرار الخزاعي أنه قال :
« قدمتُ على رسول الله ﷺ فدعاني إلى الإسلام، فدخلتُ فيه وأقررت به، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت : يا رسول الله أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام، وأداء الزكاة، فمن استجاب لي جمعت زكاته، وترسل إليّ يا رسول الله رسولاً لإبّان كذا، وكذا، ليأتيك بما جمعت من الزكاة.