. فلمّا جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له، وبلغ زمان الوعد الذي أراد رسول الله ﷺ أن يبعث إليه، احتبس الرسول فلم يأت، فظنّ الحارث أن قد حدث فيه سخطه من الله ورسوله، فدعا سَرَوَات قومه فقال لهم : رسول الله ﷺ كانَ وقَّت لي وقتاً يرسل إليّ رسوله ليقبض ما كان عندنا من الزكاة، وليس من رسول الله ﷺ الخُلْف، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطةٍ عليَّ، فانطلقوا بنا نأتي رسول الله ﷺ ؟
وبعث رسول الله ( الوليد بن عقبة ) إلى الحارث ليقبض ما كان عنده ممّا جُمع من الزكاة، فلمّا سار حتى بلغ بعض الطريق، فَرِق فرجع، فأتى رسول الله ﷺ فقال : إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي، فضرب رسول الله ﷺ البَعْث إلى الحارث، فأقبل الحارث بأصحابه حتى استقبله البعث وقد فصل عن المدينة، قالوا : هذا الحارث. فلما غشيهم قال إلى أين؟ قالوا : إليك، قال : ولم، قالوا : إن النبي ﷺ قال : منعتَ الزكاة وأردتَ قتل رسولي؟ قال : لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني، وما أقبلتُ إلاّ حين احتبس عليّ رسولُ رسولِ الله ﷺ، خشية من أن تكون سخطة من الله ورسوله عليّ، فنزلت الآية :﴿ ياأيها الذين آمنوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فتبينوا ﴾.
قال الإمام الفخر : ما ذكره المفسّرون من أنها نزلت بسبب ( الوليد بن عقبة ) حين بعثه الرسول ﷺ إلى بني المصطلق ليقبض صدقاتهم... الخ إن كان مرادهم أن الآية نزلت عامة لبيان وجوب التثبت في خبر الفاسق، وأنها نزلت في ذلك الحين الذي وقعت فيه حادثة الوليد فهذا جيد، وإن كان غرضهم أنها نزلت لهذه الحادثة بالذات فهذا ضعيف، لأن الوليد لم يتقصّد الإساءة إليهم، ورواية الإمام أحمد تدل على أنّ الوليد خاف وفَرق حين رأى جماعة الحارث - وقد خرجت في انتظاره - فظنّها خرجت لحربة فرجع وأخبر الرسول ﷺ بما أخبره ظناً منه أنهم خرجوا لقتاله.
يقول الإمام الفخر :« ويدل على ضعف قول من يقول إنها نزلت لكذا أن الله تعالى لم يقل : إني أنزلتها لكذا والنبي عليه السلام لم ينقل عنه أنه بيّن أن الآية وردت لبيان ذلك فحسب، غاية ما في الباب أنها نزلت في ذلك الوقت وهو مثل التاريخ لنزول الآية، ويتأكد ما ذكرنا أن اطلاق لفظ ( الفاسق ) على الوليد شيء بعيد، لأنه توهّم وظنّ فأخطأ، والمخطئ لا يسمى فاسقاً، وكيف والفاسق في أكثر المواضع المرادُ به من خرج من ربقة الإيمان لقوله تعالى :