﴿ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين ﴾ [ المنافقون : ٦ ] وقوله تعالى :﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ [ الكهف : ٥٠ ] وقوله تعالى :﴿ وَأَمَّا الذين فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ النار ﴾ [ السجدة : ٢٠ ] إلى غير ذلك.
ب- وأمَّا قوله تعالى :﴿ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا ﴾ فقد ذُكِر في سبب نزولها ما يأتي :
أولاً : أخرج البخاري ومسلم وابن جرير وغيرهم عن أنس رضي الله عنه أنه قال :« قيل للنبي ﷺ لو أتيتَ ( عبد الله بن أُبَي ) فانطلَقَ إليه وركب حماراً، وانطلق معه المسلمون يمشون، فلما أتاه النبي ﷺ قال : إليك عني، فوالله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار : واللَّهِ لحمارُ رسول الله أطيب ريحاً منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه، وغضب للأنصاري آخرون من قومه، فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنّعال، فأنزل الله فيهم :﴿ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا ﴾.
ثانياً : وروى الشيخان عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ خرج يعود ( سعد بن عُبادة ) فمرّ بمجلس فيهم عبد الله بن أُبَيّ، وعبد الله بن رواحة، فخمّر ابن أُبيّ وجهه برادائه، وقال : لا تغبّروا علينا، فقال عبد الله بن رواحة : لحمار رسول الله ﷺ أطيب ريحاً منك، فتعصّب لكل أصحابه فتقاتلوا حتى كان بينم ضرب بالنعال والأيدي والسّعف فنزلت الآية.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : سورة الحجرات تسمّى سورة ( الأخلاق والآداب ) فقد أرشدت إلى مكارم الأخلاق، وجاء فيها النداء بوصف الإيمان بقوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمنوا ﴾ خمس مرات، وفي كل مرة إرشاد إلى مكرمة من المكارم، وفضيلة من الفضائل، وهذه الآداب الرفيعة نستعرضها في فقرات وهي :
١- وجوب الطاعة والانقياد لأوامر الرسول ﷺ وعدم التقدم عليه برأي أو قول :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ... ﴾ [ الحجرات : ١ ] أي لا تَعْجَلوا بقولٍ أو فعل قبل أن يقول فيه رسول الله أو يفعل.
٢- احترام الرسول وتعظيم شأنه وعدم رفع الصوت في حضرته ﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي... ﴾ [ الحجرات : ٢ ] الآية.
٣- وجوب التثبت من صحة الأخبار، وعدم الاعتماد على أقوال الفسقة المفسدين ﴿ ياأيها الذين آمنوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فتبينوا... ﴾ الآية.
٤- النهي عن السخرية بالناس وعن التنابز بالألقاب ﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عسى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عسى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ... ﴾ [ الحجرات : ١١ ] الآية.
٥- النهي عن التجسّس، والغيبة، وسوء الظن، وعن سائر الأخلاق الذميمة ﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ اجتنبوا كَثِيراً مِّنَ الظن إِنَّ بَعْضَ الظن إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً... ﴾ [ الحجرات : ١٢ ] الآية.
فهذه السورة الكريمة التي لا تتجاوز ثماني عشرة آية، قد جمعت الفضائل والآداب الإنسانية، فلا عجب أن تسمى ( سورة الآداب ) أو ( سورة الأخلاق ) فهي تتناول الأدب مع الله، والأدب مع الرسول، والأدب مع النفس، والأدب مع المؤمنين، والأدب مع الناس عامة، وكلها بهذا الشكل الرتيب.