[ ٤ ] السعي بين الصفا والمروة
التحليل اللفظي
﴿ الصفا والمروة ﴾ : الصفا في أصل اللغة : الحجرُ الأملس، واشتقاقه من صفا إذا خلص، ومنه الصفوان وهو الحجر الأملس الصلب قال تعالى :﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ ﴾ [ البقرة : ٢٦٤ ]، والصفا جمعٌ مفردة ( صفاة ) قال جرير :
إنّا إذا قرع العدو صفاتنا | لاقوالنا حجراً أصمّ صلودا |
وأما المروة : فقال الخليل : هي من الحجارة ما كان أبيض أملس صلباً شديد الصلابة، وجمعها ( مرو ) مثل تمرة وتمرٌ قال أبو ذؤيب :
حتى كأني للحوادث مَرْوةٌ | بصفا المشاعر كلّ يوم يُقرع |
﴿ شَعَآئِرِ الله ﴾ : جمع شعيرة وهي في اللغة العلامة، ومنه الشعار للعلامة، وأشعر الهدي أي جعل له علامة ليعرف أنه هديٌ قال الشاعر :
نقتّلهمْ جيلاً فجيلاً تراهُمُ | شعائر قُربانَ بهمُ يتقرب |
والشعائر تطلق على كل معالم الدين التي تعبدنا الله تعالى بها كالطواف، والسعي والأذان الخ.
﴿ حَجَّ ﴾ : الحجّ في اللغة : القصدُ وإكثار التردّد إلى الشيء، قال الشاعر :
ألم تعلمي يا أمّ عمرةَ أنني | تخاطأني ريبُ الزمان لأكبرا |
وأشهد من عوفٍ حلولاً كثيرة | يحجّون بيتَ الزّبرقان المزغفرا |
وفي الشرع : هو قصد البيت العتيق لأداء المناسك من الطواف، والسعي، والوقوف بعرفة وسائر الأعمال.
﴿ اعتمر ﴾ : العمرة في اللغة : الزيارة، والمعتمر : الزائر لأنه يعمر المكان بزيارته له قال الشاعر :
« لقد سَمَا ابنُ مَعْمرٍ حين اعتمر »... وفي الشرع : زيارة البيت لأداء نُسك معين من الطواف، والسعي بين الصفا والمروة والحلق أو التقصير. وليس في العمرة وقوف بعرفة، ولا مبيت بمزدلفة، ولا رمي جمار إلى آخر ما هو معروف في الفقه.
﴿ جُنَاحَ ﴾ : الجناح بالضم : الميلُ إلى الإثم، وقيل : هو الإثم نفسه، سمي جناحاً لأنه ميل إلى الباطل.
قال في « لسان العرب » : جنح : مال. وجنحت الناقة : إذا مالت على أحد شقيها، وجنحت السفينة إذا انتهت إلى الماء القليل فلزقت بالأرض فلم تمض.
قال ابن الأثير : وقد تكرر الجناح في الحديث فأين ورد فمعناه الإثم والميل.
والمعنى : لا إثم عليكم ولا حرج ولا تضييق في السعي بين الصفا والمروة.
﴿ يَطَّوَّفَ ﴾ : أي يتطوّف أدغمت التاء في الطاء، مثل ( المزمّل ) و ( المدّثر ) أصله المتزمل والمتدثر، وطاف وأطاف بمعنى واحد.
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : إن الصفا والمروة - أيها المؤمنون - من علامات دين الله، التي جعلها الله لعباده معلماً ومشعراً، يعبدونه عندها بالدعاء، والذكر، وسائر أنواع القربات.
والسعيُ بين هذين الجبلين شعيرة من شعائر الدين، ومنسك من مناسك الحج لا يصح التفريط فيه، لأنه تشريع الحكيم العليم، الذي أمر به خليله إبراهيم عليه السلام، حين سأل ربه أن يريه مناسك الحج