﴿ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التواب الرحيم ﴾ [ البقرة : ١٢٨ ].
فمن قصد منكم - أيها المؤمنون - بيت الله العتيق للحج، أو قصده للزيارة، فلا يتحرجنّ من الطواف بينهما، إذ لا إثم عليه ولا حرج لأنه إنما يسعى لله، امتثالاً لأمره، وطلباً لرضاه، والمشركون يطوفون للأصنام، وأنتم تطوفون لله ربّ العالمين. فلا تتركوا الطواف بينهما خشية التشبه بالمشركين، فهم يطوفون بهما كفراً، وأنتم تطوفون بهما إيماناً وتصديقاً لرسولي، وطاعة لأمري، فلا إثم ولا جناح عليكم في الطواف بهما، ومن تطوع بالحج والعمرة بعد قضاء حجته الواجبة عليه، فإن الله شاكر له طاعته، ومجازيه عليها خير الجزاء يوم الدين.
سبب النزول
أ - عن عائشة رضي الله عنها أن عُروة بن الزبير قال لها : أرأيتِ قول الله تعالى :﴿ إِنَّ الصفا والمروة مِن شَعَآئِرِ الله فَمَنْ حَجَّ البيت أَوِ اعتمر فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ فما أرى على أحدٍ جُناحاً ألاّ يطّوف بهما، فقالت عائشة : بئسما قلت يا ابن أختي، إنها لو كانت على ما أوّلتها كانت « فلا جناح عليه أن لا يطّوف بهما » ولكنها إنما نزلت أن الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يهلّون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها، وكان من أهلّ لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فسألوا عن ذلك رسول الله ﷺ فقالوا يا رسول الله : إنّا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة في الجاهلية فأنزل الله :﴿ إِنَّ الصفا والمروة مِن شَعَآئِرِ الله... ﴾ قالت عائشة ثمّ قد سنّ رسول الله ﷺ الطواف بهما فليس لأحدٍ أن يدع الطواف بهما.
ب - وأخرج البخاري والترمذي عن أنس رضي الله عنه أنه سئل عن الصفا والمروة فقال :« كنّا نرى أنهما من أمر الجاهلية، فلما جاء الإسلام أمسكنا عنهما، فأنزل الله :﴿ إِنَّ الصفا والمروة مِن شَعَآئِرِ الله.. ﴾.
وجوه القراءات
قرأ الجمهور :( ومن تَطوّعَ ) بالتاء وفتح العين على أنه ماضٍ من التطوع، وقرأ حمزة والكسائي ( ومن يَطوّعْ ) بالياء مجزوم على أنه فعل مضارع إلا أنّ التاء أدغمت في الطاء لتقاربهما.
وجوه الإعراب
١ - قوله تعالى :﴿ إِنَّ الصفا والمروة مِن شَعَآئِرِ الله ﴾.
قال العكبري : في الكام حذف مضاف تقديره : إن سعي الصفا، وألف الصفا مبدلة عن ( واو ) لقولهم في تثنيته صفوان و ( من شعائر الله ) خبر إنّ.
٢ - قوله تعالى :﴿ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ الله شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ مَنْ : اسم موصول بمعنى الذي مبتدأ، وجملة ﴿ فَإِنَّ الله شَاكِرٌ ﴾ خبر المبتدأ، وأجاز بعضهم أن تكون ( من ) شرطية والله أعلم.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : قال الإمام الفخر :» اعلم أن تعلّق هذه الآية بما قبلها، هو أن الله تعالى بيّن أنه إنما حول القبلة إلى الكعبة، ليتم إنعامه على محمد ﷺ وأمته، بإحياء شرائع إبراهيم ودينه، وكان السعي بين الصفا والمروة من شعائر إبراهيم كما في قصة بناء الكعبة، وسعي هاجر بين الجبلين، فلما كان الأمر كذلك ذكر الله تعالى هذا الحكم عقيب تلك الآية «.