اللطيفة الثانية : السعيُ بين الصفا والمروة إمّا فرض أو واجب، أو مسنون، فكيف نفى الله تعالى الجناح ( الإثم ) عمن سعى بينهما؟
والجواب : إنه كان على الصفا صنم يقال له :( إساف ) وعلى المروة صنم يقال له :( نائلة ) كما قال ابن عباس وكان المشركون إذا طافوا تمسّحوا بهما، فخشي المسلمون أن يتشبهوا بأهل الجاهلية، وتحرجوا من الطواف لهذا السبب، فنزلت الآية تدفع الحرج عنهم، لأنهم إنما يسعون لله لا للأصنام.
اللطيفة الثالثة : الشكر معناه مقابلة النعمة والإحسان، بالثناء والعرفان، وهذا المعنى محال على الله، إذ ليس لأحد عنده يد ونعمة حتى يشكره عليها، فقوله تعالى :﴿ فَإِنَّ الله شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ محمول على الثواب والجزاء أي أنه تعالى يثيبه ولا يضيع أجر العاملين.
قال العلامة أبو السعود :« المعنى أنه تعالى مجازٍ له على الطاعة، عبّر عن ذلك بالشكر مبالغة في الإحسان على العباد » فبهذا المعنى سميت مقابلة العامل بالجزاء الذي يستحقه شكراً، وسمى الله تعالى نفسه شاكراً، على سبيل المجاز.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل السعي بين الصفا والمروة فرض أو تطوع؟
اختلف الفقهاء في حكم السعي بين الصفا والمروة على ثلاثة أقوال :
١ - القول الأول : أنه ركن من أركان الحج، من تركه يبطل حجه وهو مذهب ( الشافعية والمالكية ) وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وهو مروي عن ابن عمر، وجابر، وعائشة من الصحابة.
٢- القول الثاني : أنه واجب وليس بركن، وإذا تركه وجب عليه دم، وهو مذهب ( أبي حنيفة والثوري ).
٣ - القول الثالث : أنه تطوع ( سنّة ) لا يجب بتركه شيء، وهو مذهب ابن عباس، وأنس، ورواية عن الإمام أحمد.
دليل المذهب الأول :
استدل القائلين بأن السعي ركن وهم ( الجمهور ) بما يلي :
أ - قوله ﷺ :« اسعوا فإنّ الله كتب عليكم السعي ».
ب - ما ثبت أنه ﷺ سعي في حجة الوداع، فلما دنا من الصفا قرأ ﴿ إِنَّ الصفا والمروة مِن شَعَآئِرِ الله ﴾ فبدأ بالصفا وقال :« أبدؤوا بما بدأ الله به » ثم أتمّ السعي سبعة أشواط وأمر الصحابة أن يقتدروا به فقال :« خذوا عني مناسككم » والأمر للوجوب فدل على أنه ركن.
ج - حديث عائشة :( لعمري ما أتمّ الله حجّ من لم يطف بين الصفا والمروة ).
د - وقالوا : إنه أشواط شرعت في بقعة من بقاع الحرم، وهو نسك في الحج والعمرة، فكان ركناً فيهما كالطواف بالبيت.


الصفحة التالية
Icon