الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل يُقبل خبر الواحد إذا كان عدلاً؟
استدل العلماء بهذه الآية الكريمة ﴿ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ ﴾ على قبول خبر الواحد إذا كان عدلاً ووجه الاستدلال من جهتين :
الأولى : أن الله تعالى أمر بالتثبت في خبر الفاسق، ولو كان خبر الواحد العدل لا يقبل لم كان ثمة فائدة من ذكر التثبّت، لأن خبر كلٍ من العدل والفاسق مردود، فلما دلّ الأمر بالتثبت في خبر الفاسق، وجب قبول خبر العدل، وهذا الاستدلال كما يقول علماء الأصول من باب ( مفهوم المخالفة ).
الثانية : أن العلة في ردّ الخبر هي ( الفسق ) لأن الخبر أمانة، والفسقُ يبطلها، فإذا انتفت العلة النتفى الرد، وثبت أن خبر الواحد ليس مردوداً، وإذا ثبت ذلك وجب حينئذٍ قبوله والعمل به.
وأمّا المجهول : الذي لا تُعلم عدالته ولا فسقه فقد استدل فقهاء الحنفية على قبول خبره، وحجتهم في ذلك أن الآية دلت علىأنّ الفسق شرط وجوب التثبت، فإذا انتفى الفسق فقد انتفى وجوبه، ويبقى ما وراءه على الأصل وهو قبول خبره، لأن الأصل في المؤمن العدالة.
وأنت ترى أنّ هذا الاستدلال مبيٌ على أنّ الأصل العدالة، ولكنّ بعض الفقهاء يعارض في هذا ويقول : الأصل الفسق لأنه أكثر، والعدالة طارئة فلا يقبل قوله حتى يثبت من عدالته.
الترجيح : والظاهر أن مسألة قبول خبر المجهول مبنيّة على هذا، فإن صحّ أن الأصل العدالة فهو باق على عدالته حتى يتبيّن خلافها، وإن كان الأصل عدمها فهو داخل في حكم الفسق حتى تتبيّن عدالته، والمسألة تطلب بالتفصيل من كتب الأصول.
الحكم الثاني : هل يجب البحث عن عدالة الصحابة في الشهادة والرواية؟
استدل بعض العلماء بالآية الكريمة على أنّ من الصحابة من ليس بعدل، لأنّ الله تعالى أطلق لقب الفاسق على ( الوليد بن عقبة ) فإنها نزلت فيه، وسببُ النزول لا يمكن إخراجه من اللفظ العام، وهو صحابي بالاتفاق، وقد أمر الله بالتثبت من خبره، فلا بدّ من البحث عن عدالة الصحابة في الشهادة والرواية.
والمسألة خلافية وفيها أقوال كثيرة نذكرها بإيجاز :
الأول : أن الصحابة كلّهم عدول، ولا يبحث عن عدالتهم في رواية ولا شهادة، وهذا رأي جمهور العلماء سلفاً وخلفاً.
الثاني : أن الصحابة كغيرهم يُبحث عن العدالة فيهم في الرواية والشهادة إلا من يكون ظاهر العدالة أو مقطوعها كالشيخين ( أبي بكر ) و ( عمر ) رضي الله عنهما.
الثالث : أنهم عدول إلى زمن عثمان رضي الله عنه، ويبحث عن عدالتهم من مقتله، وهذا رأي طائفة من العلماء.
الرابع : أنهم عدول إلاّ من قاتل علياً كرّم الله وجهه لفسقه بالخروج على الإمام الحق وهذا مذهب المعتزلة.


الصفحة التالية
Icon