ثمّ كان من الناس من إذا صلى معهم تقيّة أعادوا الصلاة لله، ومنهم من كان يجعلها صلاته، وبوجوب الإعادة أقول، فلا ينبغي لأحدٍ أن يترك الصلاة مع من لا يرضى من الأئمة، ولكنْ يعيدُ سرّاً في نفسه، ولا يؤثر ذلك عند غيره.
وأمّا أحكامه إن كان والياً فينفذ منها ما وافق الحقّ، ويردّ ما خالفه، ولا ينقض حكمه الذي أمضاه بحال، ولا تلتفتوا إلى غير هذا القول من رواية تُؤْثر، أو قول يُحْكى، فإنّ الكلام كثير، والحقّ ظاهر «.
الحكم الخامس : هل يجب قتال أهل البغي؟
ذهب جمهور العلماء إلى وجوب قتال أهل البغي، الخارجين على الإمام أو أحد المسلمين، ولكنْ بعد دعوتهم إلى الوفاق والصلح، والسير بينهم بما يصلح ذات البين، فإن أقاموا على البغي وجب قتالهم عملاً بقوله تعالى :﴿ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الأخرى فقاتلوا التي تَبْغِي حتى تفياء إلى أَمْرِ الله ﴾.
وذهب جماعة منَّن يدَّعي العلم إلى عدم جواز قتال البغاة من المؤمنين، واحتجوا بقوله عليه السلام :»
سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر «.
وهذا الحديث لا ينهض حجة لهم، لأنّ من بغى من المؤمنين فقد أمر القرآن بقتاله، فكيف يحتج بمثل هذا الحديث لإبطال حكم الله تعالىّ؟
قال القرطبي : وهذه الآية دليل على فساد قول من منع من قتال المؤمنين، ولو كان قتال المؤمن الباغي كفراً لكان الله تعالى قد أمر بالكفر، تعالى الله عن ذلك!! وقد قاتل الصدّيق رضي الله عنه من تمسّك بالإسلام وامتنع من الزكاة، وأمر ألاّ يُتبع مولٍّ، ولا يُجهز على جريح، ولا تَحِلّ أموالهم بخلاف الكفار.
وقال الطبري :»
لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين الفريقين الهربَ منه ولزوم المنازل، لما أُقيم حد، ولا أُبطل باطلٌ، ولوجد أهل النفاق والفجور سبيلاً إلى استحلال كل ما حرّم الله عليهم من أموال المسلمين، وسبي نسائهم، وسفك دمائهم، بأن يتحزّبوا عليهم، ويكفّ المسلمون أيديهم عنهم، وذلك مخالف لقوله عليه السلام :« خذوا على أيدي سفهائكم ».
أدلة الجمهور :
استدل الجمهور على وجوب قتال البغاة بعدة أدلة نوجزها فيما يلي :
أ- قوله تعالى :﴿ فقاتلوا التي تَبْغِي حتى تفياء إلى أَمْرِ الله ﴾ الآية.
ب- حديث :« سيخرج قوم في آخر الزمان، حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير البرية، يقرؤون القرآن، لا يجاوز إيمانُهُم حناجِرَهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة ».
ج - حديث :« سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قومٌ يحسنون القول ويسيئون العمل، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة، لا يرجعون حتى يرتدّ على فوقه، هم شرّ الخلق والخليقة طوبى لمن قتلهم أو قتلوه، قالوا يا رسول الله : ما سيماهم؟ قال : التحليق »


الصفحة التالية
Icon