وهذا الرأي ضعيف لأن النحاة يقولون : إذا كان الفعل مستقبلاً في حيّز القسم وجب اتصال نون التوكيد به وحذفها ضعيف جداً تقول مثلاً « لأفعلنّ » ومثله قوله تعالى :﴿ وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ﴾ [ الأنبياء : ٥٧ ] ولا تقول : لأفعلُ.
ج - وقال آخرون : هي ( للنفي ) وهو نفي لمحذوف هو ما كان يقوله الكفار : إن القرآن سحر، أو شعر، أو كهانة، ويكون حاصل لمعنى : لا صحة لما يقولون، أُقْسمُ بمواقع النجوم، ويكون الأمر فيه نفياً لكلام سابق، وابتداءً بكلام مستأنف.
وهذا الرأي ضعيف أيضاً لأن النحاة يقولون : إنّ اسم ( لا ) وخبرها لا يصح حذفهما إلاّ إذا كانا في جواب سؤال، ثم إنه في مثل هذه الحالة يتعين العطف بالواو كما يقال : هل شفي فلانٌ من مرضه؟ فيقال : لا وشفاه الله... إلخ.
د- واختار الفخر الرازي رأياً آخر خلاصته : أنّ ( لا ) نافية باقية على معناها، وأنّ في الكلام « مجازاً تركيبياً » وخلاصة المعنى أن نقول : لا حاجة إلى القسم لأنّ الأمر أظهر وأوضح من أن يقسم عليه، وهذا الرأي جميل لأنه لا يراد به نفي القسم حقيقة بل الإشارة إلى أنه من الجلاء والوضوح بحيث لا يحتاج إلى قسم.
الحكم الثاني : ما المراد بالكتاب المكنون في الآية الكريمة؟
اختلف الفسرون في المراد بالكتاب المكنون.
فقيل : هو ( اللوح المحفوظ ) ومعنى أنه مكنون أي أنه مستور عن الأعين، لا يطّلع عليه إلا بعض الملائكة، كجبريل وميكائيل عليهما السلام.
وقيل إن الكتاب : لا يراد به اللوح المحفوظ، وإنما يراد به القرآن الكريم « المصحف » فهذا القرآن العظيم كما أنه محفوظ في الصدور، كذلك هو مسجل في السطور كما قال تعالى :﴿ فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ ﴾ [ عبس : ١٣ ] وعلى هذا التفسير يكون معنى ﴿ مَّكْنُونٍ ﴾ أي أنه محفوظ من التبديل والتغيير، ويكون على حدّ قوله تعالى :﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [ الحجر : ٩ ].
الحكم الثالث : ما المراد من قوله تعالى :﴿ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون ﴾ ؟
اختلف المفسرون في الضمير في هذه الآية الكريمة وهو قوله تعالى :﴿ لاَّ يَمَسُّهُ ﴾ هل هو راجع إلى القرآن العظيم؟ أم إلى الكتاب الذي هو على رأي بعضهم ( اللوح المحفوظ ) فإذا أعيد الضمير على القرآن الكريم يكون المراد من قوله تعالى :﴿ لاَّ يَمَسُّهُ ﴾ أي لا يمسّ هذا القرآن إلاّ طاهر من الحدثين : الأصغر والأكبر. ويكون النفي على معنى أنه لا ينبغي أن يمسه كما في قوله تعالى :﴿ الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً ﴾ [ النور : ٣ ].
ويرى البعض أنّ ( لا ) ناهية وليست نافية، والضمة التي فيه للإتباع لا للإعراب، والذين قالوا إن المراد باللفظ هو اللوح المحفوظ فسروا المطهّرين بالملائكة واستدلوا بقوله تعالى :﴿ فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾


الصفحة التالية
Icon