[ عبس : ١٣ - ١٦ ] فقالوا هذه الآية تشبه تلك فالمراد بها إذاً الملائكة.
الحكم الرابع : ما هو حكم مسّ المصحف الشريف؟
القرآن الكريم كتاب الله المقدس يجب تعظيمه واحترامه، ومن تعظيمه وإجلاله ألاّ يمسه إلاّ طاهر، ومسألة عدم جواز مسّ المصحف للمحدث أمر يكاد يجمع عليه الفقهاء، ومن أجازه من الفقهاء فإنما أجازه لضرورة ( التعلم والتعليم ) فالمحدث والجنب، والحائض، والنفساء، كلّ هؤلاء يحرم عليهم مس المصحف لعدم الطهارة.
رأي ابن تيمية رحمه الله : استدل ابن تيمية على الحكم الشرعي من وجه لطيف فقال : إنّ الآية تدل على الحكم من باب « الإشارة » فإذا كان الله تبارك وتعالى يخبر أنَّ الصحف المطهَّرة في السماء لا يمسُها إلا المطهّرون فالصحف التي بأيدينا كذلك ينبغي ألاّ يمسّها إلا طاهر « انتهى.
أقول : هذا هو الحق الذي ينبغي التعويل عليه، وهو ما اتفق عليه الفقهاء من حرمة مسّ المصحف الشريف بدون طهارة.
تنبيه هام
قلنا إن مسَّ المصحف لغير المتطهر حرام، وهذا الحكم لا اعتراض عليه، إنما الاختلاف بين الفقهاء هل هو مستنبط من الآية الكريمة؟ أم مأخوذ من دليل آخر؟
فيرى بعض الفقهاء أن الحكم الشرعي بحرمة مسّ القرآن مأخوذ من نفس هذه الآية الكريمة، لأنه ( خبر ) يقصد به ( النهي ) فكأنه تعالى يقول :»
لا تمسّوه إلاّ إذا كنتم على طهارة «.
وقال آخرون الحكم ثبت من السنة لا من الآية الكريمة وقد ذكروا بعض الوجوه التي يُرجَّح بها هذا الرأي منها :
أ- »
إنّ الآيات هاهنا مكية، ومعلوم أن القرآن في مكة كانت عنايته موجهة إلى أصول الدين لا إلى فروعه.
ب- قالوا الآية خبر وتأويلكم لها يخرجها عن ( الخبر ) إلى ( الإنشاء ) الذي يراد به النهي، والأصلُ أن يحمل اللفظ على الحقيقة.
ج - قالوا إنّ لفظ « المطهّرون » يشير إلى ما قلنا وهو الذي تكون طهارته ذاتية وهم ( الملائكة ) وأما المتطهرين فهم الذين تكون طهارتهم بعملهم نظراً لقوله تعالى :﴿ إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ المتطهرين ﴾ [ البقرة : ٢٢٢ ] فلو أراد الله سبحانه الإخبار عن وجوب الطهارة لقال :﴿ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون ﴾ !!.
والخلاصة : فإن السنة والآثار تنصّ على وجوب الطهارة لمسّ القرآن فقد ثبت فيما رواه ابن حبان وأصحاب السنن أن النبي ﷺ كتب كتاباً إلى أهل اليمن وجاء فيه :« وألاّ يمسّ القرآن إلا طاهرٌ ».
وبهذا قال الجمهور من الفقهاء منهم :( مالك وأبو حنيفة والشافعي ) رحمهم الله وقد كان كثير من الصحابة يأمرون أولادهم بالوضوء لمس المصحف، وقصة عمر معروفة وفي هذا القدر كفاية وغُنيةٌ عن التطويل.
الحكم الخامس : ما هي الحكمة من القسم؟
جرت العادة عند العرب أن يستعملوا القسم عند إرادة توكيد الكلام، والقرآنُ الكريم نزل بلغة العرب، وقد كانت آياته الكريمة تحوي أنواعاً من القسم وضرورياً من التفنّن البديع في توكيد الكلام، وليس المراد من القسم إثبات الدعوى، فالدعاوى لها ما يثبتها من الأدلة القطعية التي ثبتت عن طريق الحجة والبرهان.


الصفحة التالية
Icon