وهو واقف يسمع كلامها، فقيل له : يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف؟
فقال : والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره، لا زِلتُ إلاّ للصلاة المكتوبة، أتدرون من هذه العجوز؟! هذه ( خولة بنت ثعلبة ) التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات، أيسمح ربّ العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟!.
أقول : رضي الله عنك يا عمر فهذه أخلاق الصدّيقين.
اللطيفة السادسة : قوله تعالى :﴿ الذين يظاهرون مِنكُمْ ﴾ الخطاب بلفظ ( منكم ) فيه مزيد توبيخ للعرب، وتهجين لعادتهم في الظهار، لأنه كان من أيمان الجاهلية خاصة، دون سائر الأمم.
اللطيفة السابعة : روى الإمام الترمذي عن ( سلمة بن صخر البياضي ) أنه قال :« كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري، فلما دخل رمضان خفت أن أصيب امرأتي شيئاً يتابع بي حتى أصبح، فظاهرات منها حتى ينسلخ رمضان، فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ انكشف لي منها شيء، فما لبثتُ أن نزوتُ عليها، فلما أصبحتُ أخبرتُ قومي، فقلت : امشوا معي إلى النبي ﷺ فقالوا : لا والله.
فانطلقت فأخبرته ﷺ فقال :» أنتَ بذاك يا سلمة! قلت : أنا بذاك يا رسول الله مرتين، وأنا صابر لأمر الله، فاحكم فيما أراك الله؟
قال :« حرّر رقبة »، قلت : والذي بعثك بالحق ما أملك رقبةً غيرها وضربت صفحة رقبتي.
قال :« فصم شهرين متتابعين ».
قالت : وهل أصبتُ الذي أصبتُ إلاّ من الصيام؟
قال :« فأطعم وسقاً من تمر بين ستين مسكيناً ».
قلت : والذي بعثك بالحق لقد بتنا وَحْشين ما لنا طعام!!
قال :« فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك، فأطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر، وكُلْ أنت وعيالك بقيتها ».
فرجعت إلى قومي فقلتُ : وجدت عندكم الضيق، وسوء الرأي، ووجدت عن النبي ﷺ السعة وحسن الرأي، وقد أمر لي بصدقتكم «.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل لاظهار مشروع كالطلاق أم هو محرَّم؟
كان الظهار في الجاهلية طلاقاً، بل هو أشد أنواع الطلاق عندهم، لما فيه من تشبيه الزوجة بالأم التيّ تحرم حرمة على التأبيد، بل لا تجوز بحالٍ من الأحوال، وجاء الإسلام فأبطل هذا الحكم، وجعل الظهّار محرّماً قربان المرأة حتى يكفّر زوجها، ولم يجعله طلاقاً كما كانوا يعتبرونه في الجاهلية.
فلو ظاهر الرجل يريد الطلاق كان ظهاراً، ولو طلّق يريد به الظهار كان طلاقاً، العبرةُ باللفظ لا بالنيّة، فلا يقوم أحدهما مقام الآخر.
قال ابن القيم :» وهذا لأنّ الظهار كان طلاقاً في الجاهلية فنسخ، فلم يجز أن يُعاد إلى الحكم المنسوخ، وأيضاً فإنّ ( أوس بن الصامت ) إنما نوى به الطلاق على ما كان عليه، وأجرى عليه حكم الظهار دون الطلاق، وأيضاً فإنه صريح في حكمه، فلم يجز جعله كناية في الحكم الذي أبطله الله بشرعه، وقضاءُ الله أحقُّ، وحكمُ الله أوجب «.