د- وقال أهل الظاهر : العود : أن يكرّر لفظ الظهار مرة ثانية فإن لم يكرّر لا يقع الظهار.
والآراء الثلاثة الأولى متقاربة في المعنى لأن العود إلى الإمساك، أو الوطء، أو إبقاءها بعد الظهار بدون طلاق، كلّها تدل على معنى الندم وإرادة المعاشرة لزوجه التي ظاهر منها فاللام في ( لما ) بمعنى ( إلى ).
والمعنى : يرجعون إلى تحليل ما حرّموا على أنفسهم بالعزم على الوطء، وقد عدّد ( القرطبي ) فيها سبعة أقوال.
قال الفراء : معنى الآية يرجعون عمّا قالوا، وفي نقض ما قالوا.
دليل الظاهرية :
قال أهل الظاهر : إن العود معناه تكرار لفظ الظهار وإعادته، فلا تلزم الكفارة إلاّ إذا أعاد اللفظ - يعني ظاهر مرة ثانية - وقالوا : الذي يعقل من قولهم : عاد إلى الشيء أي أنه فعله مرة ثانية كما قال تعالى :﴿ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ﴾ [ الأنعام : ٢٨ ] فإذا لم يتكرر الظهار لا يقع التحريم.
قال الزجّاج : وهذا قول من لا يدري اللغة.
وقال أبو علي الفارسي : ليس هو كما ادّعوا، لأن العود قد يكون إلى شيء لم يكن عليه الإنسان قبل، وسميت الآخرة معاداً ولم يكن فيها أحد ثم عاد الناس إليها، قال الهُذلي :
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائلٍ | سوى الحقّ شيئاً واستراح العواذل |
أقول : ما قاله جمهور الفقهاء أن المراد بالعود ليس تكرار اللفظ، إنما هو العود إلى معاشرتها والعزم على وطئها هو الصحيح المعقول لغة وشرعاً لأن المظاهر قد حرّم على نفسه قربان الزوجة، فهو يريد أن ينقض ذلك ويعيدها إلى نفسه فيلزمه التكفير بهذا العزم.
وأما ما قاله أهل الظاهر فباطل لا يقوم عليه دليل، بل هو من آثار الفهم السقيم الذي تخبّط فيه هؤلاء في كثير من الأحكام الشرعية ويكفي لبطلانه حديث ( أوس بن الصامت ) فإنه لم يكرّر الظهار وقد ألزمه ﷺ الكفارة؛ وحديث ( سلمة بن صخر ) فقد أمره ﷺ بالكفارة مع أنه لم يكرّر اللفظ وقد تقدّما، وكفى بذلك حجة قاطعة، لا رأي لأحدٍ أمام قول المعصوم ﷺ.
الحكم الرابع : هل يصح ظهار غير المسلم كالذمي والكتابي؟
ذهب الجمهور ( الحنفية والمالكية والحنابلة ) إلى أن ظهار الذمي لا يقع لأن الله تعالى يقول :( الذين يظاهرون منكم ) وظاهرُ قوله :( منكم ) أنَّ غير المسلم لا يتناوله الحكم.
وقالوا أيضاً : إن الذميّ ليس من أهل الكفارة، لأن فيها إعتاق رقبة، والصوم، ولما كان ( الصوم ) عبادة لا يصحّ من غير المسلم إذن فلا يصح ظهاره.