ثم أخبر تعالى بأنّ عمل الخير كالصدقة وغيرها لا ينبغي أن يخاف منها الإنسان، فقال ما معناه : أخفتم تقديم الصدقات لما فيها من إنفاق المال، فإذا لم تفعلوا ما أُمرتم به، وتاب الله عليكم ورخّص لكم في الترك، فأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة ولا تفرِّطوا فيهما وفي سائر الطاعات لأن الله خبير بما تعملون.
سبب النزول
أ- روي أنّ النبي ﷺ كان يوم جمعة في الصفّة، وفي المكان ضيق، وكان ﷺ يكرم أهل بدر من ( المهاجرين والأنصار ) فجاء ناس من أهل بدر، منهم ( ثابت بن قيس بن شمّاس ) وقد سُبقوا إلى المجلس، فقاموا حيال النبي ﷺ فقالوا : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فردّ النبي ﷺ ثم سلّموا على القوم فردّوا عليهم، فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسّع لهم، فلم يفسحوا لهم، فشقّ ذلك على رسول الله ﷺ فقال لبعض من حوله : قم يا فلان، ويا فلان، فأقام نفراً مقدار من قدم، فشقّ ذلك على رسول الله ﷺ فقال لبعض من حوله : قم يا فلان، ويا فلانن فأقام نفراً مقدار من قدم، فشقّ ذلك عليهم، وعرفت كراهيته في وجوههم، وقال المنافقون : ما عدل بإقامة من أخذ مجلسه، وأحبّ قربه لمن تأخر عن الحضور، فأنزل الله تعالى هذه الآية ﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي المجالس فافسحوا يَفْسَحِ الله لَكُمْ... ﴾.
ب- وروي عن ابن عباس وقتادة :« أنّ قوماً من المسلمين كثرت مناجاتهم للرسول ﷺ، في غير حاجة إلاّ لتظهر منزلتهم وكان ﷺ سمحاً لا يردّ أحداً فنزلت هذه الآية ﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا ناجيتم الرسول... ﴾ الآية.
ج - وروي عن مقاتل : أنّ الأغنياء كانوا يأتون النبي ﷺ فيكثرون مناجاته، ويغلبون الفقراء على المجالس، حتى كره ﷺ طول جلوسهم ومناجاتهم فنزلت الآية :﴿ إِذَا ناجيتم الرسول ﴾.
وجوه القراءات
١- قوله تعالى :﴿ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي المجالس ﴾ قرأ الجمهور ﴿ تفسّحوا ) بتشديد السين، وقرأ قتادة والحسن { تفاسحوا ﴾.
٢- قرأ الجمهور ( في المجلس ) بالإفراد على إرادة معنى الجمع، وقرأ عاصم وقتادة ( المجالس ) بالجمع.
٣- قوله تعالى :﴿ انشزوا فَانشُزُواْ ﴾ : قرأ الجمهور بضم الشين فيهما، وقرأ حمزة والكسائي ﴿ انشِزُوا فانشِزُوا ﴾ بكسر الشين فيهما، قال الفراء : وهما لغتان مثل يعكفُون ويعرِشُون.
٤- قرأ الجمهور ( فقدّموا بين يدي نجواكم صدقة ) بالإفراد، وقرئ ( صدقات ) بالجمع لجمع المخاطبين.
وجوه الإعراب
١- قوله تعالى :﴿ يَفْسَحِ الله لَكُمْ ﴾ يفسحْ مضارع لأنه جواب الطلب، وحرّك بالكسر للتخلُّص من التقاء الساكنيْن، ومثله ﴿ يَرْفَعِ الله ﴾ مجزوم لأنه جواب الأمر كأنه قيل : إن تنشُزوا يرفع الله تعالىّ المؤمنين جزاء امتثالهم درجات.


الصفحة التالية
Icon