٢- قوله تعالى :﴿ والذين أُوتُواْ العلم درجات ﴾ قال أبو حيان : معطوف على الذين آمنوا عطف صفات.
والمعنى : يرفع الله المؤمنين العلماء درجات، فالوصفات لذاتٍ واحدة.
واختار الطيبي : أن يكون في اللفظ تقدير يناسب المقام نحو أن يقال : يرفع الله الذين آمنوا في الدنيا بالنصر وحسن الذكر، ويرفع الذين أوتوا العلم درجات تعظيماً لهم.
٣- قوله تعالى :﴿ ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ ﴾ أنْ وما بعدها في تأويل مصدر مفعول ل ﴿ ءَأَشْفَقْتُمْ ﴾ والله أعلم.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : لما نهى سبحانه وتعالى عباده المؤمنين عمَّا يكون سبباً للتباعض والتنافر، أمرهم في هذه الآيات بما يكون سبباً لزيادة المحبة والمودّة، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم شديدي الحرص على القر من رسول الله ﷺ والجلوس بين يديه حرصاً على استماع كلامه، فأمروا بالتوسعة على إخوانهم في المجلس تطييباً لقلوبهم، وهذا هو السرّ في مجيء الآيات عقب آيات النهي عن التناجي بالإثم والعدوان.
اللطيفة الثانية : ذكر تعالى في أول الآية مكانة المؤمنين، ثمّ عطف عليها بذكر مكانة العلماء، والعطفُ في مثل هذا الموطن هو من باب ( عطف الخاص على العام ) تعظيماً لشأن العلماء، والعطفُ في مثل هذا الموطن هو من باب ( عطف الخاص على العام ) تعظيماً لشأن العلماء كأنهم جنس آخر، ولذا أعيد اسم لموصول في النظم الكريم في قوله تعالى :﴿ والذين أُوتُواْ العلم درجات ﴾.
اللطيفة الثالثة : الأمر للمؤمنين بالصدقة عند مناجاة الرسول ﷺ فيه فوائد عديدة :
أولها : تعظيم الرسول ﷺ وتعظيم مناجاته.
ثانيها : نفع كثير من الفقراء بتلك الصدقة.
ثالثها : الزجر عن الإفراط في الأسئلة لرسول الله ﷺ.
رابعها : التمييز بين المخلص والمنافق، ومحب الدنيا ومحب الآخرة.
اللطيفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ﴾ : في هذا اللفظ استعارة يسميها علماء البلاغة ( استعارة تمثيلية ) وأصل التركيب يستعمل فيمن له يدان كالإنسان فقد استعار اليدين للنجوى، وقيل إنها ( استعارة مكنية ) حيث شبّه النجوى بإنسان، وحذف المشبّه به وهو الإنسان، ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو اليدان على سبيل الاستعارة المكنية ومثله قوله تعالى :﴿ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ [ سبأ : ٤٦ ] وذكر اليدين تخييل.
اللطيفة الخامسة : أشاد القرآن بمنزلة العلماء الرفيعة، ومكانتهم السامية عند الله تعالى، ويكفيهم هذا الشرف والفخر وقد قال ﷺ :« من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليُحيي به الإسلام، فبَيْنه وبين النبيّين درجة » وقد ذكر بعض الظرفاء مناظرة رمزية بين ( العقل والعلم ) نذكرها لطرافتها قال بعض الأدباء :
علمُ العليم وعقلُ العاقل اختلفا... من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا؟
فالعلم قال : أنا أدركتُ غايته... والعقل قال : أنا الرحمن بي عُرفا
فأفصح العلمُ إفصاحاً وقال له :... بأيّنا الله في فرقانه اتصفا؟
فبان للعقل أنَّ ( العلمَ ) سيّدُه... فقبّلَ ( العقلُ ) رأسَ العلم وانصرفا


الصفحة التالية
Icon