الأحكام الشرعية
الحكم الأول : ما المراد ب ( المجالس ) في الآية الكريمة؟
اختلف المفسّرون في المراد بالمجلس على ثلاثة أقوال :
أحدها : أن المراد به مجلس الرسول ﷺ خاصة، وهو قول مجاهد.
والثاني : أنّ المراد به مجلس الحرب، ومقاعد القتال، حيث كانوا لحرصهم على الشهادة يأبون التوسع، وهو قول ابن عباس، والحسن.
والثالث : أن المراد به مجالس الذكر كلّها، وهو قول قتادة وهو الأرجح.
قال الطبري :« والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنّ الله تعالى ذكرهُ أمر المؤمنين، أن يتفسّحوا في المجلس، ولم يخصّص بذلك مجلس النبي ﷺ دون مجلس القتال، وكلا الموضعين يقال له : مجلس، فذلك على جميع المجالس، من مجالس رسول الله ﷺ ومجالس القتال ».
وقال القرطبي :« والصحيح في الآية أنها عامة في كل مجلس اجتمع المسلمون فيه للخير والأجر، سواء كان مجلس حرب، أو ذكر، أو مجلس يوم الجمعة، فإنّ كل واحد أحقّ بمكانه الذي سبق إليه ».
الحكم الثاني : هل يباح الجلوس مكان الشخص بدون إذنه؟
دلّت الآية الكريمة على وجوب التوسع في المجلس للقادم، وهذا من مكارم الأخلاق التي أرشد إليها الإسلام، ولكن لا يباح للإنسان أن يأمر غيره بالقيام ليجلس مجلسه لقوله ﷺ :« لا يقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثمّ يجلس فيه، ولكن تفسّحوا وتوسّعوا ».
وقد جرى الحكم أنّ من سبق إلى مباح فهو أولى به، والمجلسُ من هذا المباح، وعلى القادم أن يجلس حيث انتهى به المجلس، إلاّ أن الآداب الاجتماعية تقضي على الناس بتقديم أولي ( الفضل والعلم ) وبذلك جرى عرف الناس وعوائدهم في القديم والحديث.
ولقد كان هذا الأدب السامي شأن الصحابة في مجلس الرسول ﷺ فكانوا يُقدّمون بالهجرة، وبالعلم، وبالسنِّ، وما فعله النبي عليه السلام في جماعة ( ثابت بن قيس ) من أهل بدر، فإنما كان لتعليم الناس مكارم الأخلاق، وخاصة من أهل الفضل والعلم، من المهاجرين والأنصار.
أ- روى ابن العربي بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال :« بينا رسول الله ﷺ في المسجد وقد طاف به أصحابه، إذ أقبل علي بن أبي طالب فوقف وسلّم، ثمّ نظر مجلساً يشبهه، فنظر رسول الله ﷺ في وجوه أصحابه أيّهم يوسّع له، وكان أبو بكر جالساً على يمين النبي ﷺ فتزحزح له عن محله، وقال : ها هنا يا أبا الحسن!
فجلس بين النبي ﷺ وبين أبي بكر، فقال يا أبا بكر : إنما يعرف الفضل، لأهل الفضل، ذوو الفضل »
.


الصفحة التالية
Icon