ب- وثبت في الصحيح أن عمر بن الخطاب كان يقدّم عبد الله بن عباس على الصحابة، فكلّموه في ذلك فدعاهم ودعاه، وسألهم عن تفسير ﴿ إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح ﴾ [ النصر : ١ ] فسكتوا، فقال ابن عباس : هو أجل رسول الله ﷺ أعلمه إيّاه، فقال عمر : ما أعلم منها إلاّ ما تعلم، ثم قال : بهذا قدمت الفتى.
وإذا قام الإنسان من مجلسه لحاجة ثمّ رجع إليه فهو أحقّ بالمجلس لقوله ﷺ :« من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به ».
الحكم الثالث : هل يجوز القيام للقادم إذا كان من أهل الفضل والصلاح؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز القيام للقادم إذا كان مسلماً من أهل الفضل والصلاح على وجه التكريم لأن احترام المسلم واجب، وتكريمه لدينه وصلاحه ممّا يدعو إليه الإسلام، لأنه سبيل المحبّة والمودة، وقد قال عليه السلام :« لا تحقرنّ من المعروف شيئاً ولو أن تُكلّم أخاك وأنت منبسط إليه بوجهك ».
فالقيام للقادم جائز على وجه التكرمة، إن لم يكن فاسقاً، ولم يكن سبيلاً للكبرياء والخيلاء، وما لم يصبح ديدناً للإنسان عند كل دخول أو خروج، وفي كل حين وآن فعند ذلك يكره.
قال العلامة ابن كثير :« وقد اختلف الفقهاء في جواز القيام للوارد إذا جاء على أقوال، فمنهم من رخّص في ذلك محتجاً بحديث ( قوموا إلي سيّدكم ). ومنهم من منع من ذلك محتجاً بحديث :» من أحبّ أن يتمثّل له الرجال قياماً فليتبَوّأ مقعده من النار « ومنهم من فصّل فقال : يجوز عند القدوم من سفر، وللحاكم في محل ولايته، كما دلّ عليه قصة ( سعد بن معاذ ) فإنه لما استقدمه النبي ﷺ حاكماً في بني قريظة فرآه مقبلاً قال للمسلمين : قوموا إلى سيّدكم، وما ذاك إلا ليكون أنفذ لحكمه والله أعلم.
أقول : جمهور العلماء على جواز القيام للقادم، إلا إذا كان فاسقاً، أو عاصياً، أو مرتكباً لكبيرة، أو مشهوراً بالكبر، وحب الظهور، وأمّا ما استدل به بعضهم من منع القيام بحديث :»
من أحبّ أن يتمثّل له الناس قياماً... « الحديث فليس فيه دليل لهم، لأن الرسول عليه السلام لم يُطْلق اللفظ وإنما قيّده بوصفٍ يدلّ على الكبرياء وحب الظهور » من أحبّ أن يتمثّل له الناس قياماً « ولم يقل صلوات الله » من قام له الناس فليتبوأ مقعده من النار « ولا شكّ أنّ هذا الوصف لا ينطبق إلا على المتكبر المغرور، والفرق دقيق بين اللفظين فلا ينبغي أن يغفل عنه.


الصفحة التالية
Icon