وهو قول الجمهور.
﴿ مَعْرُوفٍ ﴾ : المعروف : ما يستحسنه الشرع، وترتضيه العقول السليمة وهو ضد المنكر.
﴿ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً ﴾ : أي لا تتخذوهم أصدقاء، وأولياء، تودّوهم من دون المؤمنين، والمراد بالقوم اليهود، أو جميع الكفرة.
﴿ يَئِسُواْ مِنَ الآخرة ﴾ : أي يئسوا من ثواب الآخرة، واليأس : انقطاع الأمل من الشيء، وهو ضد الرجاء.
المعنى الإجمالي
يقول الله تعالى ما معناه : يا أيها المؤمنون إذا جاءكم المؤمنات المهاجرات من دار الكفر إلى دار الإيمان، فراراً بدينهنّ، وحباً في الله ورسوله، فاختبروهنّ على هذا الإيمان، لتعلموا هل هنّ راغبات في الإسلام حقاً؟ أم أنهنّ هاربات من أزواجهن طمعاً في دنيا، أو حباً لرجل، فإذا علمتم - أيها المؤمنون - بالدلائل والأمارات أنهنّ مؤمنات، فلا يحل لكم ردّهن إلى الكفار، لأن الله تعالى لا يبيح مؤمنة لمشرك، وعليكم أن تدفعوا لأزواجهنّ الكفرة ما أنفقوا عليهن من مهر، ولا حرج عليكم أن تتزوجوا بهنّ بصداقٍ جديد، بعد أن تؤدوا لهنّ حقوقهنّ كاملة.
من كانت له امرأة كافرة لم تهاجر مع زوجها، فلا يعتدّ بهذه الزوجة، فقد زالت عصمة النكاح بينهما بسبب الكفر، وانبتّ عقد النكاح، لأن الإسلام لا يبيح الزواج بالمشركة، ومن ارتدت بعد إسلامها ولحقت بدار الكفر، فعاملوها معاملة المشركة، فقد زال النكاح وانفصمت الروابط الزوجية بالردّة، وأصبحت غير صالحة لأن تبقى في عصمة المؤمن، ولكم أن تطالبوهم بما دفعتم من مهور نساءكم اللاحقات بالكفار، كما يطالبونكم بمهور أزواجهم المهاجرات إليكم.
ذلكم هو حكم الله الذي شرعه لكم، فلا تحيدوا عنه ولا تعتدّوا بغيره، لأن الله عليم حكيم، لا يشرع إلاّ ما تقتضيه الحكمة البالغة.
وإن انفلت منكم - أيها المؤمنون - بعض النساء، ولم يدفع لكم المشركون ما تستحقونه من مهورهن، وأصبتموهم في القتال، وغنمتم منهم، فأعطوا الأزواج من رأس الغنيمة ما أنفقوا منالمهر قصاصاً، واتقوا الله الذي صدّقتم به، وآمنتم بتشريعه الحكيم العادل.
وأمّا أنت - يا محمد - فإذا جاءك المؤمنات للبَيْعة، فبايعهنّ على السمع والطاعة، واشرط عليهن ألاّ يشركن بالله شيئاً، ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يئدن أولادهم، كما كان يفعل أهل الجاهلية ولا يلحقن بأزواجهنّ لقيطاً من غير أولادهم، ولا يعصينك في طاعة أو معروف، فإذا وافقن على هذه الشروط فبايعهن على ذلك، وعلى سائر أحكام الإسلام، واطلب لهن من الله الرحمة والمغفرة، إذا وفين بالبيعة، فإن الله غفور رحيم، مبالغ في المغفرة والرحمة لمن استقام وتاب وأناب.
سبب النزول
أولاً : روي عن ابن عباس أنه قال : إنّ مشركي مكة صالحوا رسول الله ﷺ عام الحديبية، على أنّ من أتاه من أهل مكة ردّه إليهم، ومن أتى أهل مكة من أصحابه فهو لهم، وكتبوا بذلك الكتاب وختموه، فجاءت ( سُبَيْعة بنت الحارث الأسلميّة ) بعد الفراغ من الكتاب، والنبي ﷺ بالحديبية، فأقبل زوجها - وكان كافراً - فقال يا محمد : أردُدْ عليّ امرأتي، فإنك قد شرطت لنا أن تردّ علينا من أتاك منّا، وهذه طينة الكتاب لم تجفّ بعد، فنزلت هذه الآية الكريمة.


الصفحة التالية
Icon