وقال الزمخشري :« كَنَى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها، عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذباً، لأنّ ( بطنها ) الذي تحمله فيه بين اليدين، و ( فرجها ) الذي تلده به بين الرِّجْلينِ، وقيل : كَنَى بذلك عن الولد الدعيّ ( غير الشرعي ) فَنُهينَ عن ذلك لأنه من شعار الجاهلية، المنافي لشعار المسلمات ».
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل كان عقد الصلح يشمل الرجال والنساء؟
كان صلح الحديبية الذي تمّ بين الرسول ﷺ وبين مشركي قريش، قد نصّ على أنّ من أتى محمداً من قريش ردّه عليهم، ومن جاء قريشاً من عند محمد لم يردّوه عليه، وقد جاءت ( أم كلثوم بنت عقبة ) بعد أن كُتب عقد الصلح مهاجرةً إلى رسول الله ﷺ وجاء أهلها يطلبونها فقالت يا رسول الله : أنا امرأة، وحالُ النساء إلى الضعف ما قد علمت، فتردّني إلى الكفّار يفتنوني عن ديني، ولا صبر لي؟! فقال ﷺ لأهلها : كان الشرط في الرجال لا في النساء، فأنزل الله هذه الآية فامتحنها ﷺ ولم يردّها إليهم.
قال القرطبي : وقد اختلف العلماء هل دخل النساء في عقد المهادنة لفظاً، أو عموماً؟
فقالت طائفة : قد كان شرط ردّهن في عقد المهادنة لفظاً صريحاً، فنسخ الله ردّهن من العقد، ومنع منه، وبقّاه في الرجال على ما كان.
وقالت طائفة : لم يشترط ردّهن في العقد لفظاً، وإنما أُطلق العقد في ردّ من أسلم، فكان ظاهر العموم اشتماله عليهن من الرجال، فبيّن الله تعالى خروجهن عن عمومه، وفرّق بينهنّ وبين الرجال لأمرين :
أحدهما : أنهن ذوات فروج يُحَرّمن عليهم.
الثاني : أنهنّ أرقّ قلوباً، وأسرع تقلباً منهم، فأما المقيمة على شركها فمردوده عليهم.
ثم قال : وأكثر العلماء على أنْ هذا ناسخ لما كان ﷺ عاهد عليه قريشاً، من أنه يردُ إليهم من جاء منهم مسلماً، فنسخ من ذلك النساء، وهذا مذهب من يرى نسخ السنّة بالقرآن.
أقول : ذكر الإمام الفخر نقلاً عن ( الضحّاك ) أن العهد كان على غير الصيغة المتقدمة، وأنه كان يشتمل على نص خاص بالنساء صورته كالتالي :
( لا تأتيك منا امرأة ليست على دينك إلاّ رددتها إلينا، فإن دخلت في دينك ولها زوج رددتَ على زوجها ما أنفق عليها، وللنبي ﷺ من الشرط مثل ذلك ).
وعلى هذا الرأي تكون الآية موافقة للعهد، مقرّرة له، وهذا الذي تطمئن إليه النفس وترتاح، وما عداه من الأقوال فيحتاج إلى تمحيض وتدقيق، لأنها تنافي روح التشريع الإسلامي، من جهة أن الوفاء بالعهد واجب على المسلمين، ولا ينبغي لأحد الطرفين أن يستبدّ بتخصيص نصوصه إو إلغائها دون موافقة الطرف الثاني، فما ذهب إليه الضحّاك هو الأولى.


الصفحة التالية
Icon