﴿ وابتغ فِيمَآ آتَاكَ الله الدار الآخرة وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا ﴾ [ القصص : ٧٧ ].
﴿ فَضْلِ الله ﴾ : المراد به الرزق والتجارة، والكسبُ الحلال.
وعن ابن عباس : لم يؤمروا بطلب شيء من الدنيا، وإنما هو عيادة المرضى، وحضور الجنائز وزيارة الأخ في الله.
﴿ انفضوا إِلَيْهَا ﴾ : بمعنى انصرفوا إليها، وتفرقوا عنك، والانفضاض معناه : التفرق والانصراف، قال ذو الرُمّة :
تكاد تنقضّ منهنّ الحيازيم... وأعاد الضمير إلى التجارة، لأنها كانت أهمّ إليهم، وقال الزجّاج : المعنى : وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها، أو لهواً انفضوا إليه، فحذف الثاني لدلالة الأول عليه مثل قوله تعالى :﴿ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴾ [ المؤمنون : ٣٣ ]، وكما قال الشاعر :

نحنُ بما عندنا وأنت بما عندكَ راضٍ والرأيُ مختلف
﴿ وَتَرَكُوكَ قَآئِماً ﴾ : أي على المنبر تخطب، قال بعض العلماء : وفيه دلالة على مشروعية القيام في الخطبة.
﴿ خَيْرُ الرازقين ﴾ : لأنه يرزق من يؤمن به ويعبده، ومن يكفر به ويجحده، فهو يعطي من سأل سواءً كان مؤمناً أم كافراً.
قال الطبري :﴿ والله خَيْرُ الرازقين ﴾ : يقول : والله خير رازق، فإليه فارغبوا في طلب أرزاقكم، وإيّاه فاسألوا أن يوسّع عليكم من فضله دون غيره.
المعنى الإجمالي
يقول الله تعالى ما معناه :« يا أيها المؤمنون يا من صدّقتم بالله ورسوله، إذا سمتعتم المؤذّن، ينادي لصلاة الجمعة ويؤذّن لها، فاتركوا أعمالكم وأشغالكم، ودَعُوا البيع والشراء وامضوا سراعاً إلى ذكر الله وعبادته، وإلى أداء صلاة الجمعة مع إخوانكم المسلمين، فإنّ ذلك خير لكم وأفضل، وأرجى لكم عند الله، وأعود عليكم بالخيرات والبركات، إن كنتم من أهل العلم والفهم السليم، فإذا أدّيتم الصلاة وفرغتم منها، فانبثّوا في الأرض لقضاء مصالحكم، واطلبوا من فضل الله، فإن الرزق بيده، وهو المنعم المتفضّل، الذي لا يخيّب أمل السائل، ولا يضيع عمل العامل، ولا يمنع أحداً من فضله وإحسانه، واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون.
ثم أخبر تعالى أنّ هناك فريقاً من الناس يؤثرون الدنيا الفانية، على الآخرة الباقية، فإذا سمعوا بتجارة رابحة، أو صفقة قادمة، أو شيء من لهو الدنيا، وزينتها وبهرجها، تفرّقوا عن رسول الله عليه السلام، وانصرفوا إلى متاع الحياة، وتركوا الرسول قائماً يخطب، ولو عقلوا لعلموا أنّ ما عند الله خير وأبقى، وأن ثوابه خير من اللهو والتجارة، وأن الله - جلّ وعلا - هو خير الرازقين، يرزق من يشاء بغير حساب، وما عند الله خير للأبرار.
وصدق الله حيث يقول :﴿ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الذين صبروا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [ النحل : ٩٦ ]. سبب النزول
أ- أخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال : بينما النبي ﷺ يخطب يوم الجمعة قائماً، إذ قدمت عير إلى المدينة، فابتدرها أصحاب رسول الله ﷺ حتى لم يبق منهم إلاّ اثنا عشر رجلاً أنا فيهم، وأبو بكر وعمر، فأنزل الله تعالى :﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا ﴾ إلى آخر السورة.


الصفحة التالية
Icon