ب- وروى ابن كثير عن أبي يعلى بسنده إلى جابر بن عبد الله أنه قال :« بينما النبي ﷺ يخطب يوم الجمعة، فقدمت عيرٌ إلى المدينة، فابتدرها أصحاب رسول الله ﷺ حتى لم يبق مع رسول الله ﷺ إلا اثنا عشر رجلاً، فقال رسول الله ﷺ :» والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي ناراً « ونزلت هذه الآية :﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة... ﴾.
ج - وروى أبو حيان في تفسيره » البحر المحيط « في سبب هذا الانصراف أنَّ أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء سعر، فقدم ( دحية ) بعيرٍ تحمل ميرةً وكان من عُرْفهم أن يدخل بالطبل والمعازف من درى بها. فدخلت بها فانفضوا إلى رؤية ذلك وسماعه، وتركوه ﷺ قائماً على المنبر في اثني عشر رجلاً، قال جابر : أنا أحدهم، فنزلت ﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة... ﴾.
وجوه القراءات
١- قرأ الجمهور ﴿ من يوم الجُمُعة ﴾ بضم الجيم والميم، وقرأ الزهري والأعمش بضم الجيم وسكون الميم ﴿ الجُمْعة ﴾ وهي لغة تميم، وقرأ أبو العالية والنخعي ﴿ الجُمَعة ﴾ بضم الجيم مع فتح الميم، وهي ثلاث لغات.
قال الزجاج : من قرأ بتسكين الميم فهو تخفيف الجمعة لثقل الضمتين، وأمّا فتح الميم فمعناها : الذي يجمع الناس، كما تقول : رجلٌ لُعَنَة : يُكثر لعنة الناس، وضُحَكَة : يكثر الضحك.
٢- قرأ الجمهور ﴿ انفضّوا إليها ﴾ بضمير المؤنث عائداً إلى التجارة، وقرأ ابن أبي عَبْلة بضمير المذكّر ﴿ انفضّوا إليه ﴾ عائداً إلى اللهو.
قال الأخفش : وكلاهما جائز عند العرب، وقرئ ﴿ انفضُّوا إليهما ﴾ بضمير التثنية عائداً إلى التجارة واللهو.
٣- قرأ الجمهور ﴿ فاسعوا إلى ذِكْرِ الله ﴾ وروي عن ابن مسعود وعمر أنهما كانا يقرآنها ﴿ فامضوا إلى ذكر الله ﴾ وقراءتهما محمولة على أنها وجه من وجوه التفسير، لا أنها قراءة من القراءات وقد مرّ معك كلام القرطبي فتدبره.
وجوه الإعراب
١- قوله تعالى :﴿ إِذَا نُودِيَ للصلاوة مِن يَوْمِ الجمعة ﴾ ( إذا ) شرطية و ( نودي ) مبني للمجهول، و ( مِنْ ) بمعنى ( في ) أي في يوم الجمعة كقوله تعالى :﴿ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض ﴾ [ فاطر : ٤٠ ] أي في الأرض.
وجوّز أبو البقاء كون ( مِنْ ) للتبعيض.
وفي » الكشاف « : هي بيان ل ( إذا ) وتفسير له، وقد اعترض عليه في هذا، والصحيح أنها بمعنى ( في ).
٢- قوله تعالى :﴿ واذكروا الله كَثِيراً... ﴾. ( اذكروا ) فعل أمر مبني على حذف النون لأنّ مضارعه من الأفعال الخمسة، والواو فاعل، ولفظ الجلالة منصوب على التعظيم تأدباً، و ( كثيراً ) صفة لمفعول مطلق محذوف تقديره :( ذكراً كثيراً )، وقد صرح به في سورة الأحزاب في قوله تعالى :