٢- وقال آخرون : المراد به الأذان الذي بين يدي الخطيب إذا صعد الإمام المنبر.
حجة الفريق الأول :
أ- أن المراد من النداء هو الإعلام، والسعيُ إنما يجب عند الإعلام، وهو ( الأذان الأول ) على المنارة، الذي زاده عثمان رضي الله عنه، وذلك حين رأى كثرة الناس، وتَباعُدَ مساكنهم عن المسجد، فأمر بالتأذين الأول على دارٍ له بالسوق، يقال لها ( الزّوراء ) وقد ثبت الأمر على ذلك من عهده إلى عصرنا هذا.
ب- واستدلوا بما رواه البخاري في « صحيحه » عن ( السائب بن يزيد ) رضي الله عنه أنه قال :( كان النداء يوم الجمعة أوَّلُه إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي ﷺ وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، فلما كان زمن عثمان رضي الله عنه وكثر الناس، زاد النداء الثالث على الزّوراء فثبت الأمر على ذلك ).
ج - وقالوا : السعيُ عند الأذان الثاني، وقت صعود الخطيب المنبر، يفوّت على الناس سماع الخطبة التي م أجلها خفّف الله تعالى الصلاة فجعلها ركعتين، ولم تكن بالمسلمين حاجة إلى هذا في زمن النبي ﷺ لقرب مساكنهم من المسجد، ولحرصهم الشديد على أن بجيئوا من أول الوقت محافظة على أخذ الأحكام عن الرسول ﷺ فكان النداء الذي بين يدي الخطيب يُسْمعهم فيحضرون سراعاً، ويدركون الخطبة من أولها لقرب المساكن من المسجد.
وهذا القول هو الظاهر المعتمد في مذهب الحنفية، وقد نصّ عليه صاحب « الكنز » من أئمة فقهاء الحنفية فقال :« ويجب السعي وترك البيع بالأذان الأول لقوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمنوا إِذَا نُودِيَ للصلاوة ﴾ الآية وإنما اعتبر لحصول الإعلام به، وهذا القول هو الصحيح في المذهب.
وقيل : العبرة للأذان الثاني، الذي يكون بين يدي الخطيب على المنبر، لأنه لم يكن في زمنه ﷺ إلاّ هو - وهو ضعيف - لأنه لو اعتبر في وجوب السعي لم يتمكن من السُنّة القبلية، ومن الاستمتاع، بل ربما يخشى عليه فوات الجمعة انتهى.
حجة الفريق الثاني :
أ- الأذان الذي يجب فيه السعيُ وتركُ البيع، هو ( الأذان الثاني ) الذي يكون بين يدي الخطيب، لأنه هو الأذان الذي كان في زمنه ﷺ، وهو عليه السلام أحرص الناس على أن يؤدي المؤمنون الواجب عليهم في وقته، فلو كان السعي واجباً قبل ذلك لبيّنه لهم، ولجعل بين الأذان والخطبة زمناً يتسع لحضور الناس.
ب- ما روي عن ابن عمر والحسن في قوله تعالى :﴿ إِذَا نُودِيَ للصلاوة مِن يَوْمِ الجمعة ﴾ قالا :» إذا خرج الإمام وأذّن المؤذن فقد نودي للصلاة «.
قالوا : وهو التفسير المأثور فلا عبرة بغيره.
ج - وقالوا أيضاً : إن المصلي يندب له أن يجيء مبكّراً لفوائد جمّة كما دلت على ذلك الأحاديث الكثيرة، ولكنّ تحريم البيع والشراء والحكمَ بالإثم شيءٌ، وإدراكَ الأمر المندوب شيءٌ آخر.