ثم إن السنة القبلية - على فرض أنها بقيت مطلوبة في الجمعة - فإنه لا يمكننا أن نوجب السعي قبل وقته لتحصيل سنّة لم تثبت، فيبقى النداء الذي يحرم عنده البيع هو ( النداء الثاني ) الذي يكون عند صعود المنبر، وهو الذي كان في زمنه عليه السلام.
وهذا المذهب هو رأي جمهور العلماء، وقولٌ عند فقهاء الحنفية، ولعله يكون الأرجح والله تعالى أعلم.
الحكم الثاني : هل يفسخ البيع عند الآذان؟
دلَّ قوله تعالى :﴿ وَذَرُواْ البيع ﴾ على حرمة البيع والشراء وسائر المعاملات عند الأذان، وقد اختلف العلماء في عقد البيع هل هو صحيح أم فاسد؟
فقال بعضهم إنه فاسد لورود النهي ﴿ وَذَرُواْ البيع ﴾.
وقال الأكثرون إنه حرام ولكنه غير فاسد وهو يشبه الصلاة في الأرض المغصوبة تصحُّ مع الكراهة.
قال القرطبي في تفسيره « الجامع لأحكام القرآن » :« وفي وقت التحريم قولان :
الأول : أنه من بعد الزوال إلى الفراغ من الصلاة. قاله الضحّاك، والحسن، وعطاء.
الثاني : من وقت أذان الخطبة إلى وقت الصلاة، قاله الشافعي.
قال : ومذهب مالك : أن يترك البيع إذا نودي للصلاة، ويفسخ عنده ما وقع من البيع في ذلك الوقت، ولا يفسخ العتق، والنكاح، والطلاق وغيره، إذا ليس من عادة الناس الاشتغال به كاشتغالهم بالبيع، قالوا : وكذلك الشركة والهبة والصدقة نادر لا يفسخ.
قال ابن العربي : والصحيحُ فسخ الجميع، لأن البيع إنما منع منه للاشتغال به، فكلُّ أمرٍ يشغل عن الجمعة من العقود كلها فهو حرام شرعاً. مفسوخ رَدْعاً.
ورأى بعضُ العلماء البيع في الوقت المذكور جائزاً، وتأّوَّل النّهيَ عنه ندباً، واستدل بقوله تعالى :﴿ ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾، وهذا مذهب الشافعي فإن البيع عنده ينعقد ولا يفسخ.
وقال الزمخشري في تفسيره : إن عامة العلماء على أنّ ذلك لا يؤدي إلى فساد البيع، قالوا : لأن البيع لم يحرم لعينه، ولكن لما فيه من الذهول عن الواجب، فهو كالصلاة في الأرض المغصوبة، والثوب المغصوب، والوضوء بماء مغصوب، وعن بعض الناس أنه فاسد.
قال القرطبي : والصحيح فسادُه، وفسخُه، لقوله ﷺ :»
كلُّ عملٍ ليس عليه أمرنا فهو ردّ « أي مردود، والله أعلم.
الحكم الثالث : هل الخُطْبة شرط لصحة الجمعة؟
دلّ قوله تعالى :﴿ فاسعوا إلى ذِكْرِ الله ﴾ على أن الخطبة شرط لصحة صلاة الجمعة، لأن ذكر الله سواء قلنا إنه :( الموعظة ) أو إنه ( الموعظة والصلاة معاً ) يدخل فيه خطبة الجمعة، فلا بدّ أن تكون شرطاً لصحة الصلاة. ولأن صلاة الجمعة إنما خفّفت من أجل الخطبة وسماع الموعظة، وعليه تكون الخطبة واجبة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء.


الصفحة التالية
Icon