غير أن فقهاء الحنفية قالوا : لا يشترط في الخطبة أن تكون مشتملة على ما يسمّى ( خطبة ) عرفاً، لأن الله تعالى ذكر الذّكر من غير تفصيل بين كونه طويلاً، أو قصيراً، يسمّى خطبة أو لا يسمى خطبة، فكان الشرط هو الذكر مطلقاً، ويكفي فيه أقل ما يطلق عليه اسم الذكر، غير أن المأثور عنه ﷺ هو الذكر المسمّى ب ( الخطبة ) والمواظبة عليه فكان ذلك واجباً أو سنّة، لا أنه الشرطُ الذي لا يجزئ غيره.
وفقهاء الشافعية والحنابلة : يشترطون أن يأتي الخطيب بخطبتين مستوفيتين لشروط خاصة منها : حمدُ الله، والصلاة على النبي ﷺ، وقراءة آية من كتاب الله تعالى، والوصيةُ بتقوى الله تعالى.
وزاد الشافعية الدعاء للمؤمنين والمؤمنات.
وفقهاء المالكية : شرطوا في الخطبة شرطاً واحداً وهي أن تكون مشتملة على تحذير أو تبشير ممّا يسمّى في العرف موعظة وخطبة.
قال في « الروضة الندية » :« ثمّ اعلم أنَّ الخطبة المشروعة هي ما كان يعتاده ﷺ من ترغيب الناس وترهيبهم، فهذا في الحقيقة روحُ الخطبة الذي لأجله شرعت، وأمّا اشتراط الحمد لله، أو الصلاة على رسوله، أو قراءة شيء من القرآن، فجميعُه خارج عن معظم المقصود من شرعية الخطبة، واتفاقُ مثل ذلك في خطبته ﷺ لا يدل على أنه مقصود متحتم، وشرط لازم.
ولا يشك منصف أن معظم المقصود هو الوعظ دون ما يقع قبله من الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، وقد كان عُرْف العرب المستمر أن أحدهم إذا أراد أن يقوم مقاماً، ويقول مقالاً، شرع بالثناء على الله وعلى رسوله ﷺ - وما أحسن هذا وأولاه - ولكن ليس هو المقصود، بل المقصود ما بعده، ولو قال : إنّ من قام في محفل من المحافل خطيباً، ليس له باعث على ذلك إلا أن يصدر منه الحمد، والصلاة، لما كان هذا مقبولاً بل كل طبع سليم يمجّه ويردّه، إذا تقرّر هذا عرفت أن الوعظ في خطبة الجمعة هو الذي يساق إليه الحديث، فإذا فعله الخطيب فقد فعل الأمر المشروع إلاّ أنه قدّم الثناء على الله وعلى رسوله، أو استطرد في وعظه القوارع القرآنية كان أتمّ وأحسن ».
الحكم الرابع : ما هو العدد الذي تنعقد به الجمعة؟
لا خلاف بين الفقهاء أن الجماعة شرط من شروط صحة الجمعة، لقوله عليه السلام :« الجمعة حقٌّ واجبٌ على كل مسلم في جماعة، إلا أربعة : مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض ».
ولأن التسمية تقتضي ذلك، فلا يقال لمن صلَّى وحده إنه صلى الجمعة. فلا بدّ من الجماعة، وقد اختلفوا في العدد الذي تنعقد به الجمعة إلى خمسة عشر قولاً ذكرها الحافظ في « الفتح ».