[ ٥ ] كتمان العلم الشرعي
التحليل اللفظي
﴿ يَكْتُمُونَ ﴾ : الكتمان : الإخفاء والستر، قال الراغب : الكتمان ستر الحديث يقال كتمته كتماً وكتماناً.
قال الألوسي :« الكتم ترك إظهار الشيء قصداً مع مساس الحاجة إليه، وتحقيق الداعي إلى إظهاره، وذلك قد يكون بمجرد ستره وإخفائه، وقد يكون بإزالته ووضع شيء آخر موضعه، واليهود - قاتلهم الله - ارتكبوا كلا الأمرين ».
﴿ البينات ﴾ : الآيات الواضحات الدالة على الحق، جمع بينة وهي في اللغة الدلالة الواضحة، عقلية كانت أو حسيّة، وسمي البيان بياناً لكشفه عن المعنى المقصود.
والمراد بالبينات في الآية : ما أنزله الله في التوراة والإنجيل من أمر محمد ﷺ.
﴿ والهدى ﴾ : الهدى كلّ ما يدل على الخير، ويهدي إلى الرشد، من الهداية وهي الدلالة على الشيء.
قال أبو السعود : المراد بالهدى الآيات الهادية إلى وجوب الإيمان بالرسول ﷺ ووجوب اتباعه، عبّر عنها بالمصدر مبالغة.
﴿ يَلعَنُهُمُ الله ﴾ : أي يطردهم ويبعدهم من رحمته، وأصل اللعن : الإبعاد والطرد قال الشماخ :
مقام الذئب كالرجل اللعين... أي الطريد.
﴿ اللاعنون ﴾ : قال ابن عباس : اللاعنون كلّ شيء على وجه الأرض إلا الثقلين.
وقال مجاهد : هم دواب الأرض وهوامّها، تقول : مُنِعنا القطر بمعاصي بني آدم.
والصحيح أنهم :( الملائكة، والأنبياء، وجميع الناس ) لقوله تعالى : بعد هذه الآية :﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله والملائكة والناس أَجْمَعِينَ ﴾ [ البقرة : ١٦١ ] والقرآن يفسّر بعضه بعضاً.
﴿ تَابُواْ ﴾ : أي رجعوا عن الكتمان. وأصل التوبة الرجوعُ والندم على ما صدر من الإنسان.
﴿ وَأَصْلَحُواْ ﴾ : أي أصلحوا ما أفسدوا بأن أزالوا الكلام المحرّف، أو أصلحوا سيرتهم وأعمالهم.
﴿ وَبَيَّنُواْ ﴾ : أي أظهروا للناس ما كانوا كتموه من أوصاف محمد ﷺ أو ما كتموه من دين الله.
﴿ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ : أي المبالغ في قبول التوبة، الرحيم بالعباد، وهما من صيغ المبالغة.
وجه المناسبة
كان أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) يكتمون بعض ما في كتبهم بعدم ذكر نصوصه للناس عند الحاجة إليه، أو السؤال عنه، ويتعمدون إخفاء ما ورد من البشارات ببعثة خاتم النبيين محمد ﷺ حتى لا يؤمن به الناس، كما يخفون بعض الأحكام الشرعية كحكم رجم الزاني، ويكتمون بعضها بتحريف الكلم عن مواضعه، والتأويل للآيات على غير معانيها إتباعاً للأهواء، ففضحهم الله تعالى بهذه الآيات، التي سجّلت عليهم وعلى أمثالهم اللعنة العامة الدائمة.
المعنى الإجمالي
يقول الله تعالى ما معناه : إن الذين يخفون ما أنزلناه من الآيات البينات، والدلائل الواضحات التي تدل على صدق محمد ﷺ وعلى أنه رسول الله، ويتعمدون أن يكتموا أمر البشارية به عليه السلام مع أنهم يعلمون حق العلم أوصافه. لأنهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل


الصفحة التالية
Icon