ومن قرأ بغير تنوين، حذف التنوين للتخفيف، وجرّ ما بعده بالإضافة.
ومن قرأ ( أمرُه ) بالرفع على أنه فاعل ل ( بالغ ) التي هي خبر إنَّ.
أو مبتدأ وبالغ خبر مقدم له، والجملة خبر إنَّ.
ومن قرأ ( بالغاً ) على أنها حال من فاعل جعل لا من المبتدأ لأنهم لا يرتضون مجيء الحال منه ( وقد جعل... ) خبر ( إنَّ ).
سبب النزول
أولاً : رُوي في « سنن » ابن ماجه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ طلّق حفصة رضي الله عنها ثم راجعها.
وروى قتادة : عن أنس قال : طلّق رسولُ الله ﷺ حفصة رضي الله عنها فأتت أهلها فأنزل الله تعالى عليه ﴿ ياأيها النبي إِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ وقيل له راجعها فإنها قوَّامة صوَّامة، وهي من أزواجك في الجنة.
وقال الكلبي : سبب نزول هذه الآية غضب رسول الله ﷺ على حفصة لما أسرّ إليها حديثاً، فأظهرته لعائشة، فطلّقها تطليقة فنزلت الآية.
ثانياً : وقال السّدي : نزلت في عبد الله بن عمر طلّق امرأته حائضاً تطليقة واحدة، فأمره رسول الله ﷺ بأن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر، وتحيض، ثمّ تطهر، فإذا أراد أن يطلِّقَها، فليطلِّقْها حين تطهر من قبل أن يجامعها، فتلك العدَّةُ التي أمر الله تعالى أن يُطَلَّق لها النساء.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : قوله تعالى :﴿ ياأيها النبي ﴾ نداء للنبي ﷺ وخطاب له على سبيل التكريم والتنبيه.
ويحتمل تخصيص النبي بالخطاب وجوهاً :
أحدها : اكتفاء بعلم المخاطبين بأن ما خوطب به النبي ﷺ خطاب لهم إذ كانوا مأمورين بالاقتداء به، إلا ما خص به دونهم.
والثاني : أنّ تقديره : يا أيها النبي قل لأمتك ﴿ إِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء... ﴾.
والثالث : خص النداء به ﷺ على العادة في خطاب الرئيس الذي يدخل فيه الأتباع، لأن النبي ﷺ إمام أمته، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم : يا فلان افعلوا كيت وكيت إظهاراً لتقدمه واعتباراً لترؤسه. وفيه إظهار لجلالة منصبه ﷺ ما فيه، ولذلك اختير لفظ ( النبي ) لما فيه من الدلالة على علو مرتبته.
والرابع : الخطاب كالنداء له ﷺ إلا انه اختير ضمير الجمع للتعظيم نظير ما في قوله :( ألا فارحموني يا إله محمد ).
والخامس : إنه بعد ما خاطبه ﷺ بالنداء صرف سبحانه الخطاب عنه لأمته تكريماً له ﷺ لا في الطلاق من الكراهة فلم يُخَاطبْ به تعظيماً.
والسادس : حذف نداء الأمة، والتقدير يا أيها النبي وأمة النبي إذا طلقتم.
قال القرطبي : إذا أراد الله بالخطاب المؤمنين لاطفه بقوله :﴿ ياأيها النبي ﴾ فإذا كان الخطاب باللفظ والمعنى جميعاً له قال :( يا أيها الرسول ).