اللطيفة الثانية : فإن قيل : ما السرّ في تسمية الطلاق ب ( الطلاق البدعي )، أو ( الطلاق السني ) ؟
فالجواب كما قال الإمام الرازي : إنما سمي بدعة لأنها إذا كانت حائضاً لم تعتد بأيام حيضها من عدتها بل تزيد على ثلاثة أقراء، فتطول العدة عليها حتى تصير كأنها أربعة أقراء، وهي في الحيض الذي طلقت فيه في صورة المعلّقة التي لا هي معتدة، ولا ذات بعل، والعقولُ تستقبح الإضرار.
ففي طلاقة إيَّاها في الحيض سوء نظر للمرأة، وفي الطلاق في الطُّهر الذي جامعها فيه، وقد حملت فيه سوء نظر للزوج.
فإذا طلقت وهي طاهر غير مجامعة أُمنَ هذان الأمران، لأنها تعتدّ عقيب طلاقه إياها، على أمان من اشتمالها على ولد منه.
اللطيفة الثالثة : قال الربيع بن خيثم :« إن الله تعالى قضى على نفسه أن من توكَّلَ عليه كفاه، ومن آمن به هداه، ومن أقرضه جازاه، ومن وثق به نجّاه، ومن دعاه أجاب له ».
وتصديق ذلك في كتاب الله ﴿ وَمَن يُؤْمِن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [ التغابن : ١١ ] ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ ﴿ إِن تُقْرِضُواْ الله قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ ﴾ [ التغابن : ١٧ ] ﴿ وَمَن يَعْتَصِم بالله فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [ آل عمران : ١٠١ ] ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع إِذَا دَعَانِ ﴾ [ البقرة : ١٨٦ ].
اللطيفة الرابعة : قال الله تعالى :﴿ واتقوا الله رَبَّكُمْ ﴾ ولم يقل ( واتقوا الله ).
قال الفخر الرازي : فيه من المبالغة ما ليس في ذلك، فإن لفظ الرب ينبِّهُهم على التربية التي هي الإنعام والإكرام بوجوه متعددة غاية التعداد فيبالغون في التقوى حينئذٍ خوفاً من فوت تلك التربية.
اللطيفة الخامسة : قال الرازي : ثم في هذه الآية لطيفة، وهي أن التقوى في رعاية أحوال النساء مفتقرة إلى المال، فقال تعالى :﴿ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾ وقريب من هذا قوله تعالى :﴿ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ ﴾ [ النور : ٣٢ ]
اللطيفة السادسة : قوله تعالى :﴿ وَأَحْصُواْ العدة ﴾ إحصاء العدة يكون لمعانٍ :
أحدها : لما يريد من رجعة وإمساك، أو تسريح وفراق.
والثاني : لكي يشهد على فراقها، ويتزوج من النساء غيرها ممن لم يكن يجوز له جمعها إليها كأختها، أو أربعٍ سواها.
والثالث : لتوزيع الطلاق على الأقراء إذا أراد أن يطلق ثلاثاً.
اللطيفة السابعة : قوله تعالى :﴿ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ﴾، أي من الرغبة عنها إلى الرغبة فيها، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه فيراجعها. والمقصود التحريض على طلاق الواحدة، والنهيُ عن طلاق الثلاث، فإنه إذا طلَّق ثلاثاً أضر بنفسه عند الندم على الفراق، والرغبةِ في الارتجاع، فلا يجد للرجعة سبيلاً.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل الطلاق مباح أو محظور؟
لقد أباح الله تعالى الطلاق بقوله :﴿ إِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ وقد روي عن رسول الله ﷺ أنه قال :


الصفحة التالية
Icon