اللطيفة الثانية : سبب التزمل ما روي في الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال :
« جاورتُ بحراء فلمّا قضيتُ جواري هبطت فنوديت، فنظرتُ عن يميني فلم أر شيئاً، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئاً، ونظرتُ خلفي فلم أر شيئاً، فرفعت رأسي فإذا الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجُثثْتُ ( فزعت ) منه رعباً فرجعت فقلت : زمّلوني زمّلوني، فأنزل الله ﴿ ياأيها المدثر ﴾ [ المدثر : ١ ] و ﴿ ياأيها المزمل ﴾ ».
فسببُ التزمل هو ما عراه ﷺ من الرعب والفزع من رؤية الملك على صورته الملكيّة.
اللطيفة الثالثة : ذكر الله تعالى في كتابه العزيز ثلاثة أشياء وصفها ب ( الجميل ) وأمر بها نبيّه ﷺ وهي : قوله تعالى :﴿ فاصبر صَبْراً جَمِيلاً ﴾ [ المعارج : ٥ ]... ﴿ واهجرهم هَجْراً جَمِيلاً ﴾... ﴿ فاصفح الصفح الجميل ﴾ [ الحجر : ٨٥ ].
فالصبرُ الجميل الصبرُ الذي لا شكوى معه.
والهجرُ الجميل الهجرُ الذي لا أذيّة معه.
والصفح الجميل الصفحُ الذي لا عتاب معه.
اللطيفة الرابعة :« في الصحيح أنه ﷺ كان يقوم الليل حتى تفطرت قدماه، فقالت له السيّدة عائشة : أتفعل هذا بنفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فقال لها عليه السلام : أفلا أكونُ عبداً شكوراً » !! فصلوات ربي وسلامه على نبيّه المصطفى وحبيبه المجتبى.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل قيام الليل كان فريضة على الرسول ﷺ ؟
ظاهر قوله تعالى :﴿ قُمِ اليل إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ أن التهجد كان فريضة عليه ﷺ وأنّ فرضيته كانت خاصة به، وممّا يدل عليه قوله تعالى في سورة الإسراء [ ٧٩ ] ﴿ وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ فإنّ قوله :﴿ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ بعد الأمر بالتهجد ظاهر في أن الوجوب من خصائصه ﷺ وليس معنى النافلة في هذه الآية ما يجوز فعله وتركه، فإنه على هذا الوجه لا يكون خاصاً به ﷺ، بل معنى كونه التهجد نافلة له أنه شيء زائد على ما هو مفروض على سائر الأمة.
وقد كان المؤمنون يصلون مع الرسول ﷺ حتى ورمت أقدامهم وسوقهم من القيام، فنسخ الله تعالى ذلك بقوله في آخر السورة :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَيِ الليل وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الذين مَعَكَ... ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] إلى قوله :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] الآية.
قال ابن عباس : وكان بين أول هذا الإيجاب وبين نسخه سنة.


الصفحة التالية
Icon