[ ٦ ] إباحة الطيبات وتحريم الخبائث
التحليل اللفظي
﴿ واشكروا للَّهِ ﴾ : الشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضربٍ من التعظيم ويكون على وجهين :
أحدهما : الاعتراف بالنعمة وذلك بالثناء على المنعم ﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [ إبراهيم : ٧ ].
والثاني : صرف النعمة فيما يرضي الله وذلك باستعمال السمع والبصر وسائر الحواس فيما خلقت له.
﴿ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله ﴾ : الإهلال رفع الصوت، يقال : أهلّ بكذا أي رفع صوته، ومنه إهلال الصبي وهو صياحه عند الولادة، وأهلّ الحاج رفع صوته بالتلبية قال الشاعر :
يُهلّ بالفرقد ركبانُها | كما يُهلْ الراكبُ المعتمر |
والمعنى : حرّم عليكم ما ذبح للأصنام والطواغيت، وذكر عليه اسم غير الله. قال الزمخشري : وذلك قول أهل الجاهلية : باسم اللات والعزّى.
﴿ اضطر ﴾ : أي حلّت به الضرورة وألجأته إلى أكل ما حرّم الله.
قال القرطبي : فيه إضمار أي فمن اضطر إلى شيء من هذه المحرمات أي أحوج إليها فهو ( افتعل ) من الضرورة وأصله ( اضطرر ).
﴿ بَاغٍ ﴾ : الباغي في اللغة : الطالب لخير أو لشر ومنه حديث « يا باغي الخير أقبل » وخُصّ هنا بطالب الشر.
قال الزجاج : البغي قصدُ الفساد، يقال : بغى الجرح إذا ترامى للفساد. وبغت المرأة إذا فجرت.
﴿ عَادٍ ﴾ : اسم فاعل أصله من العدوان وهو الظلم ومجاوزة الحد.
والمراد بالباغي من يأكل فوق حاجته، والعادي من يأكل هذه المحرمات وهو يجد غيرها.
قال الطبري :« وأولى هذه الأقوال قول من قال :﴿ فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ ﴾ بأكله ما حرم عليه من أكله ﴿ وَلاَ عَادٍ ﴾ في أكله وله في غيره مما أحله الله له مندوحة وغنى ».
المعنى الإجمالي
يأمر الله جل ثناؤه عباده المؤمنين بأن يتمتعوا في هذه الحياة بما أحله لهم من الكسب الحلال، والرزق الطيب، والمتاع النافع، وأن يأكلوا من لذائذ المآكل التي أباحها لهم، ورزقهم إيّاها بشرط أن تكون من الحلال الطيب، وأن يشكروا الله على نعمه التي أسبغها عليهم، إن كانوا حقاً صادقين في دعوى الإيمان، عابدين الله منقادين لحكمه، مطيعين لأمره، لا يعبدون الأهواء والشهوات.
ثمّ بيّن تعالى ما حرّمه عليهم من الخبائث المستكرهة، التي تنفر منها الطباع السليمة، أو ممّا فيه ضرر واضح للبدن، فذكر تعالى أنه إنما حرّم عليهم الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وسائر الخبائث، كما حرّم عليهم كل ذبيحة ذبحت للأصنام أو لآلهتهم المزعومة، وكلّ ما ذُكر عليه اسم غير الله، لكنّ إذا اضطر الإنسان، وألجأته الحاجة إلى أكل شيء من هذه المحرمات، غير باعٍ بأكله ما حرم الله عليه، فليس عليه ذنب أو مخالفة ولا متجاوز قدر الضرورة، لأن الله غفور رحيم، يغفر للمضطر ما صدر عن غير إرادة، رحيم بالعباد لا يشرع لهم ما فيه الضيق والحرج.