وجه الارتباط بالآيات السابقة
بيّن تعالى في الآيات السابقة حال الذين يتخذون الأنداد من دون الله يحبونهم كمحبة الله، وأشار إلى أن سبب ذلك هو حب حطام الدنيا، وارتباط مصالح المرؤوسين بمصالح الرؤساء في الرزق والجاه، وخاطب الناس كلهم بأن يأكلوا ممّا في الأرض، إذْ أباح لهم جميع خيراتها وبركاتها، بشرط أن تكون حلالاً طيباً، ﴿ ياأيها الناس كُلُواْ مِمَّا فِي الأرض حَلاَلاً طَيِّباً ﴾ [ البقرة : ١٦٨ ] وبيّن سوء حال الكافرين المقلدين، الذين يقودهم الرؤساء كما يقود الراعي الغنم، لأنهم لا استقلال لهم في عقل ولا فهم، ثمّ وجه الخطاب في هذه الآيات للمؤمنين خاصة، لأنهم أحق بالفهم، وأجدر بالعلم، وأحرى بالاهتداء.
وجوه القراءات
١- قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة ﴾ قرأ الجمهور بالبناء للفاعل ﴿ حَرَّمَ ﴾ أي حرّم الله و ﴿ الميتة ﴾ بالتخفيف، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع بالبناء للمفعول والتشديد ( إنما حرّم عليكم الميّتَة ).
قال القرطبي : التشديدُ والتخفيف في ( ميّت ) و ( مَيْت ) لغتان، وقد جمعا في قول الشاعر :

ليس من مات فاستراح بميْتٍ إنما المْيتُ ميّتُ الأحياء
والمشهور عند أهل اللغة :( الميْت ) بالتخفيف من مات فعلاً، وبالتشديد ( ميّت ) من سيموت كما في قوله تعالى :﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ ﴾ [ الزمر : ٣٠ ] إنك ستموت وإنهم سيموتون.
٢ - قرأ الجمهور ( فمن اضطُرّ ) بضم الطاء، وقرأ أبو جعفر ( فمن اضطِرّ ) بكسر الطاء، وأدغم ابن محيص الضاد في الطاء ( فمن اطرّ ).
وجوه الإعراب
١ - قوله تعالى :﴿ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ جواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله.
٢ - قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ ﴾ إنمّا مكفوفة عن العمل وهي حرف واحد تفيد الحصر و ( الميتة ) مفعول ل ( حرّم ) والمعنى : ما حرّم عليكم إلا الميتة... الخ.
٣ - قوله تعالى :﴿ غَيْرَ بَاغٍ ﴾ غيرَ منصوب على الحال ( ولا عاد ) معطوف على باغٍ وتقديره لا باغياً ولا عادياً.
قال القرطبي :( غيرَ ) نصبٌ على الحال، وقيل : على الاستثناء، وإذا رأيت ( غير ) يصلح في موضعها ( في ) فهي حال، وإذا صلح موضعها ( إلاّ ) فهي استثناء، فقس عليه، و ( باغ ) أصله ( باغيٌ ) ثقلت الضمة على الياء فسكنّت، والتنوين ساكن، فحذفت الياء، والكسرةُ دالة عليها «.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : المرادُ من الطيبات الرزقُ الحلال، فكل ما أحلّه الله فهو طيّب، وكلّ ما حرّمه فهو خبيث، قال عمر بن عبد العزيز : المراد ( طيبُ الكسب لا طيبُ الطعام ). ويؤيده الحديث الشريف :»
إنّ الله طيّبٌ لا يقبل إلا طيباً، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال :﴿ ياأيها الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات واعملوا صَالِحاً ﴾ [ المؤمنون : ٥١ ] وقال :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعثَ أغبر، يمدّ يديه إلى السماء يا ربّ يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يُستجابُ له؟ «


الصفحة التالية
Icon