فهذا هو بيان الطيّب من الرزق ببيان الرسول ﷺ ولا عطر بعد عروس.
اللطيفة الثانية : قال أبو حيان : لمّا أباح تعالى لعباده أكل ما في الأرض من الحلال الطيّب، وكانت وجوه الحلال كثيرة، بيّن لهم ما حرّم عليهم لكونه أقل، فلما بيّن ما حرم بقي ما سوى ذلك على التحليل حتى يرد منع آخر، وهذا مثل قوله ﷺ لمّا سئل عما يلبس المحرم فقال :« لا يلبس القميص ولا السروال » فعدل عن ذكر المباح إلى ذكر المحظور، لكثرة المباح وقلة المحظور، وهذا من الإيجاز البليغ «.
اللطيفة الثالثة : في قوله تعالى :﴿ واشكروا للَّهِ ﴾ إلتفات من ضمير المتكلم إلى الغيبة، إذ لو جرى على الأسلوب الأول لقال :» واشكرونا « وفائدة هذا الالتفات تربية المهابة والروعة في القلوب.
اللطيفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمَ الخنزير ﴾ هو على حذف مضاف أي أكل الميتة وأكل لحم الخنزير مثل قوله تعالى :﴿ وَسْئَلِ القرية ﴾ [ يوسف : ٨٢ ] أي أهل القرية.
قال الألوسي :» وإضافة الحرمة إلى العين - مع أن الحرمة من الأحكام الشرعية وليست مما تتعلق بالأعيان - إشارة إلى حرمة التصرف في الميتة من جميع الوجوه بأخصر طريق - وأوكده «.
وقال أبو السعود :» وإنما خصَّ لحم الخنزير مع أن سائر أجزائه أيضاً في حكمه، لأنه معظم ما يؤكل من الحيوان، وسائر أجزائه بمنزلة التابع له «.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل المحرّم في آية الميتة الأكلُ أم الانتفاع؟
ورد التحريم في هذه الآية مسنداً إلى أعيان الميتة والدم، وقد اختلف الفقهاء هل المحرّم الأكل فقط، أم يحرم سائر وجوه الانتفاع، لأنه لما حرم الأكل حرم البيع والانتفاع بشيء منها لأنها ميتة، إلا ما استثناه الدليل، وذهب بعض العلماء إلى أن المحرم إنما هو الأكل فقط بدليل قوله تعالى :﴿ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ وبدليل ما بعده في قوله تعالى :﴿ فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ ﴾ أي اضطر إلى الأكل.
قال الجصاص :» والتحريم يتناول سائر وجوه المنافع، فلا يجوز الانتفاع بالميتة على وجه ولا يطعمها الكلاب والجوارح، لأن ذلك ضرب من الانتفاع بها، وقد حرّم الله الميتة تحريماً مطلقاً معلقاً بعينها، فلا يجوز الانتفاع بشيء منها إلا أن يخص بدليل يجب التسليم له «.
الحكم الثاني : ما هو حكم الميتة من السمك والجراد؟
تضمنت الآية تحريم ( الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أُهّل لغير الله ).
فأمّا الميتة فهي ما مات من الحيوان حتف أنفه من غير قتل، أو مقتولاً بغير ذكاة شرعية، وكان العرب في الجاهلية يستبيحون الميتة، فلما حرمها الله تعالى جادلوا في فلك المؤمنين وقالوا : لا تأكلون مما قتله الله، وتأكلون مما تذبحون بأيديكم!! فأنزل الله في سورة الأنعام :[ ١٢١ ]