[ ٧ ] في القصاص حياة النفوس
التحليل اللفظي
﴿ كُتِبَ ﴾ : قال الفراء ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ﴾ معناه في كل القرآن : فرض عليكم قال الشاعر :
كُتب القتلُ والقتال علينا | وعلى الغانياتِ جرّ الذيول |
﴿ القصاص ﴾ : أن يفعل به مثل فعله من قولهم : اقتصّ أثر فلان إذا فعل مثل فعله.
قال الراغب : القصاص مأخوذ من القصّ وهو تتبع الأثر قال تعالى :﴿ فارتدا على آثَارِهِمَا قَصَصاً ﴾ [ الكهف : ٦٤ ] والقصاصُ : تتبعُ الدم بالقَوَد قال تعالى :﴿ والجروح قِصَاصٌ ﴾ [ المائدة : ٤٥ ].
قال في اللسان : قصصتُ الشيء إذا تتبعت أثره شيئاً بعد شيء ومنه قوله تعالى :﴿ وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ ﴾ [ القصص : ١١ ] أي اتبعي أثره، والقصاصُ : القَوَد وهو القتل بالقتل قال الشاعر :
فرمنا القصاصَ وكان القصا | صُ حكماً وعدلاً على المسلمينا |
قال في « اللسان » : ورجلٌ قتيل أي مقتول، وامرأة قتيل أي مقتولة، فإذا قلت :( قتيلة بني فلان ) قلت بالهاء.
وقال الطبري : وإنما يجمع ( فعيل ) على ( فَعْلى ) إذا كان وصفاً دالاً على الزمانة بحيث لا يقدر معه صاحبه على البُراح من موضعه وأصل القتل إزالة الروح عن الجسد كالموت، ولكن إذا اعتبر بفعل الشخص يقال : قتلٌ، وإذا عتبر بفوت الحياة يقال : موتٌ، قال تعالى :﴿ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ﴾ [ آل عمران : ١٤٤ ].
﴿ عُفِيَ ﴾ : العفو معناه الصفح، والإسقاط، تقول : عفوت عنه أي صفحتُ عنه ومنه قوله تعالى :﴿ عَفَا الله عَمَّا سَلَف ﴾ [ المائدة : ٩٥ ] وقوله :﴿ واعف عَنَّا ﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ] وعفوتُ لكم عن صدقة الخيل والرقيق أي أسقطتها عنكم.
والمعنى : فمن تُرِك له من جهة أخيه شيءٌ أي ترك له القتل، ورُضي منه بالدية.
﴿ فاتباع بالمعروف ﴾ : مطالبته بالمعروف، أي يطالبه وليّ القتيل بالرفق والمعروف، ويؤدي إليه القاتل الدية بإحسان، بدون مماطلة أو بخس أو إساءة في الأداء.
﴿ فَمَنِ اعتدى ﴾ : أي ظلم فقتل القاتل بعد أخذ الدية فله عند الله عذاب أليم.
﴿ الألباب ﴾ : العقول جمع لب، مأخوذ من لب النخلة.
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : يا أيها الذين آمنوا فرض عليكم أن تقتصوا للقتيل من قاتله، ولا يبغيّن بعضكم على بعض، فإذا قتل الحرُّ الحرَّ فاقتلوا فقط، وإذا قتل العبدُ العبدَ فاقتلوه به، وإذا قتلت الأنثى الأنثى فاقتلوها بها مثلاً بمثل بالعدل والمساواة، ودعوا الظلم الذي كان بينكم فلا تقتلوا أحراراً، ولا بالعبد حراً، ولا بالأنثى رجلاً، فإن ذلك ظلم وعدوان، واستعلاء وطغيان، فمن تُرك له شيء من القصاص إلى الدية، وعفا عنه وليّ القتيل فلم يقتص منه وقبل منه الدية، فليحسن الطالب في الطلب من غير إرهاقٍ ولا تعنيف، ولْيحسن الدافع في الأداء من غير مماطلة ولا تسويف، ذلك الذي شرعته لكم - أيها المؤمنون - من العفو إلى الدية، تخفيف من ربكم ورحمة، خفَّف به عنكم ليظهر فضله عليكم، على عكس من سبقكم من اليهود حيث لم يكن في شرعهم إلا القصاص، فمن تجاوز منكم بعد أخذ الدية وقتل القاتل، فله عذاب أليم عند الله، لأنه ارتكب جريمة بنقضه العهد وغدره بالقاتل بعد أن أعطاه الأمان، وأخذ منه المال.